دعوة مفتوحة للأحزاب

تواجه احزاب المعارضة مشكلة لاتريد أن تعترف بها‏,‏ وهي قلة الاقبال الجماهيري عليها‏.‏ ولكن المشكلة الأكبر أن هذه الأحزاب تتجاهل ـ أو تجهل ـ الاسباب الحقيقية لهذه الظاهرة ولاتريد أن تعترف بها‏.‏


وهذه الظاهرة السياسية تدعو للقلق‏,‏ وقد عبرت قيادات حزب الأغلبية ذاتها عن هذا القلق‏,‏ لأن الحياة السياسية السليمة تستلزم وجود تعدد في المواقف والاراء والاجتهادات‏,‏ وتفقد حيويتها اذا لم تكن قائمة علي تفاعل الرأي والرأي الآخر‏,‏ وبدون هذا التفاعل تفقد الجماهير الحماس للمشاركة‏,‏ وتصاب الحياة الحزبية كلها والحياة والسياسية ايضا بالركود‏.‏


من هنا جاءت دعوة الرئيس مبارك المتكررة لجميع الاحزاب الي تقوية نفسها‏,‏ واعادة بناء استراتيجية كل منها‏,‏ والسعي الي طرح مبادرات وحلول للمشاكل من زوايا مختلفة‏,‏ وتقديم تحليل علمي لهذه المشاكل‏,‏ والعمل مع الجماهير لكي تعكس توجهاتها ومطالبها‏.‏ لكن بعض احزاب المعارضة اختارت الطريق السهل‏,‏ وهو أن تقف ساكنة‏,‏ ولا تبذل جهدها في العمل أو التفكير‏,‏ وتكتفي بموقف الرفض‏,‏ والتربص لكل قرار وكل اجراء وكل مشروع لتقول إن هذا خطأ‏,‏ وهذا خطأ‏,‏ وهذا سيؤدي إلي كارثة‏,‏ وتلك تمثل مأساة‏..‏ الي آخر قائمة الالفاظ والمواقف المعروفة والمتوقعة من العاجز عن العمل‏,‏ فهو يستسهل تشويه ما يعمله العاملون‏,‏ والاساءة الي جهودهم‏.‏


لكن هذا الموقف السياسي لايؤدي الي تواجد حزب في الشارع‏,‏ أو اكتسابه شعبية حقيقية‏,‏ خاصة اذا تحول من النقد الي الاتهام ثم الي توجية الاهانات والمساس بكرامة الآخرين‏..‏ هنا يكون الأمر مختلفا‏,‏ فلا يتعلق بالسياسة ولكن يتعلق بالاخلاق‏,‏ والعمل السياسي الحقيقي لابد أن يكون ملتزما بالاخلاق‏,‏ وارتباط الاخلاق بالسياسة ضروري للصحة النفسية للشعب وللاحزاب وقياداتها‏,‏ وتصور ان السياسة لا علاقة لها بالاخلاق خطأ كبير وضع بذوره ميكيا فيللي حين وضع القاعدة الرديئة المدمرة للافراد والمجتمعات بقوله ان الغاية تبرر الوسيلة بينما التوجه السليم يقضي بأن الغاية الشريفة لابد أن تكون بوسيلة شريفة‏.‏


وقد اختارت بعض الأحزاب الطريق السهل بأن اكتفت بالقاء اللوم علي حزب الأغلبية أو علي الحكومة‏,‏ وادعت انها السبب في حالة الضعف التي تعاني منها‏,‏ وكأنها تريد من حزب الأغلبية والحكومة أن يقدما لها الدعم‏,‏ أو يتحملا مسئولية تنشيط هذه الاحزاب وقيادتها الي الطريق الصحيح‏,‏ بينما القاعدة أن الله لا يساعد من لايساعد نفسه‏,‏ ولايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم‏.‏


ولأن هذه الأحزاب اختارت الطريق السهل فهي مازالت تتحدث عن ضرورة الانفتاح السياسي‏,‏ وكأن ذلك مطلب صعب المنال‏,‏ أو كأن شيئا لم يتحقق في هذا الاتجاه‏,‏ بينما الانفتاح السياسي بدأ بالفعل منذ سنوات‏,‏ والباب مفتوح لكل من لدية الرغبة والقدرة علي المشاركة‏,‏ ولكن البعض يفضل الوقوف امام الابواب المفتوحة ويطالب بفتحها‏(!)‏


والدعوة لجميع الاحزاب وللمثقفين والمهتمين بالشأن العام قائمة وتتكرر باستمرار‏,‏ للمشاركة في صياغة منهج وطني لمعالجة المشاكل القائمة‏,‏ في ظل الظروف الدولية والاقليمية التي يعلمها الصغار والكبار‏,‏ والتي تفرض علي المخلصين للوطن أن يتجمعوا ويجعلوا خلافاتهم اختلافات في الرأي ويقدموا افكارا وحلولا جديدة‏,‏ وبدلا من أن يقولوا هذا خطأ عليهم أن يقترحوا الأفضل‏,‏ ويقدموا البديل المدروس الواقعي ولا يكتفوا بشعارات نظرية عامة لا تفيد صانع القرار‏.‏


باختصار إن هذا الوطن وطن الجميع‏,‏ والجميع مدعوون للتفكير وللعمل من اجله حتي بدون دعوة‏,‏ وحتي لو كان الباب مغلقا‏,‏ والفكرة الجيدة لابد أن تنتصر في النهاية والكلمة الطيبة كشجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين‏,‏ والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة مالها من قرار‏,‏ وهذا هو المبدأ الذي تعلمناه من ربنا‏,‏ ولابد أن نسير علي هداه‏,‏ والله يهدي من يشاء‏.‏

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف