لاشك أن المؤتمر الثاني للحزب الوطني يمثل خطوة الي الامام في الفكر السياسي والممارسة الديمقراطية في مصر.
واذا كان البعض قد تسرع كالعادة وأصدر احكاما قاطعة بأن الوعود التي اعلنها المؤتمر الاول لن تنفذ وسوف يطويها النسيان الي أن يتكرر الحديث عنها في المؤتمر الثاني, فقد تأكد ان مثل هذه الاحكام كانت غير مدركة لطبيعة الروح الجديدة التي اصبحت تقود الحزب, وجاءت قائمة الانجازات التي اعلنت في افتتاح المؤتمر الثاني تأكيدا علي أن القرارات والوعود تم تنفيذها, وكان ذلك دليلا علي أن الوعود أصبحت التزاما يخضع للمتابعة والحساب, وهذه خطوة كبيرة الي الامام في العمل السياسي.
وهذه المصداقية التي اكتسبها الحزب تدعو الي الاطمئنان الي أن التوجهات الجديدة التي تبناها المؤتمر الثاني سوف تأخذ طريقها الي التنفيذ دون إبطاء, سواء في مجالات الاصلاح السياسي والاقتصادي, أو في تطوير التعليم والرعاية الصحية ورعاية الشباب.
ومن اهم القضايا التي تبناها المؤتمر قضية اللا مركزية وقضية التخطيط العمراني للقرية المصرية لحماية الارض الزراعية من زحف البناء العشوائي عليها.
وقضية اللا مركزية وتعديل قانون الادارة المحلية من القضايا التي تكرر الحديث عنها وتكررت الوعود بتنفيذها, لكن الوزارات المركزية ظلت تقف بعناد ضد تحقيقها, وكل وزير يحرص علي الاحتفاظ بكل السلطات والصلاحيات في يده كمظهر من مظاهر السلطة, وكل صغيرة وكبيرة في المجافظات لابد من تصعيدها الي الوزارة وانتظار قرارها حتي ولو كان الامر يتعلق بنقل موظف أو توقيع عقوبة ادارية, وحتي الصلاحيات المقررة للمحافظ في قانون الادارة المحلية الحالي ينازعه فيها الوزير, وقصص الخلافات بين المحافظين والوزراء معروفة وتحدثت عنها الصحف كثيرا, وقد آن الاوان لاعادة الروح الي السلطات المحلية, والي المجالس الشعبية, وذلك هو السبيل الوحيد للقضاء علي البيروقراطية, والتعقيدات الادارية التي تعطل مصالح المواطنين, وتعوق انطلاق العمل في المحافظات, فضلا عن أن اللامركزية هي التعبير عن المشاركة الشعبية في وضع الخطط والسياسات, وفي إعداد الموازنة, وفي محاسبة قيادات المحليات, وفي حل المشاكل في الموقع, وان كانت هذه الخطوة تحتاج الي تعديل قانون الادارة المحلية لاعطاء سلطات لمستويات الادارة المحلية ابتداء من المحافظ, ونزولا الي رئيس المدينة والمركز الي رئيس القرية كل بما يتناسب مع طبيعة عمله, الا أن المشكلة عند التنفيذ هي قلة الكوادر الفنية والادارية المؤهلة للقيادة في المحليات, وزيادة اعداد الموظفين غير المؤهلين والذين يقومون باعمال لاتتفق مع خبراتهم, وفي نفس الوقت فان الكوادر مكدسة في الوزارات المركزية, واذا لم يتم اعادة توزيع هذه الكفاءات علي المحافظات فان اي قانون جديد لن يحقق شيئا مهما تكن صياغاته محكمة.
كذلك فان قضية العدوان علي الأرض الزراعية طرحت بشكل واقعي ومتوازن, ولأول مرة يحدث اعتراف بأن المواطن الذي يجرف ارضه هو في الحقيقة مضطر لذلك نتيجة تزايد السكان, وكل اسرة تحتاج بعد سنوات, إلي مساكن لثلاثة او اربعة ابناء ليكونوا اسرا جديدة, وهذا النمو الطبيعي يتجاهله القانون الحالي فلا يجد المواطن امامه سوي التحايل علي القانون بأية طريقة, حتي ولو وجد نفسه معرضا للسجن أو يجد نفسه مضطرا للتعامل مع الفاسدين في الادارة المحلية لاغماض العين وتمرير المخالفة, او انتظار قرار موسمي من الحكومة بالتصالح والتغاضي عن تنفيذ القانون, ولهذا كان المؤتمر واقعيا حين رأي ان الحل هو تحديد كردون القرية مع مراعاة التوسع الطبيعي, وحظر البناء خارج الكردون, واستغلال الاراضي الصحراوية بقدر الامكان للتوسع العمراني, والحقيقة أن غياب التخطيط العمراني الواقعي هو السبب الحقيقي لانتشار العشوائيات التي تحولت الي مشكلة تثقل كاهل الدولة.
واعتقد ان دعوة الرئيس مبارك لجميع الاحزاب الي المشاركة في وضع تصورات ايجابية للاصلاح والتحديث, هي دعوة لكل من يستطيع ان يخدم بلده لكي يتقدم, وباب الاجتهاد السياسي مفتوح.
ومادام الحزب الوطني يبدأ بداية جديدة بفكر جديد, فلماذا لاتبدأ جميع الاحزاب هي الاخري بفكر جديد, ولو فعلت الاحزاب ذلك فسوف يكون لمصلحتها ومصلحة البلد.