الحقيقة الغائبة

ركز قادة الدول الصناعية الثماني علي الدول العربية والإسلامية في مشروعهم للإصلاح السياسي والديمقراطي في الشرق الأوسط‏,‏ وأغفلوا حالة إسرائيل وهي أكبر نموذج لغياب الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان‏.‏ وأكبر قاعدة للإرهاب في العالم‏..‏ إرهاب الدولة‏..‏ وارهاب جماعات وعصابات المتطرفين‏.‏


أعلن قادة الدول الصناعية أنهم يسعون إلي إزالة اسباب التعصب والإرهاب في الشرق الأوسط ولم تصدر منهم إشارة إلي العنف والتعصب الديني في إسرائيل‏.‏ وكان نموذج المتعصب الراديكالي الذي يحاربونه هو اسامه بن لابن وتنظيمه‏,‏ ولكنهم تجاهلوا زعيما من نوع آخر يمثل التيار الوطني والفكر المعتدل هو مروان البرغوثي‏,‏ الذي حكم عليه القضاء الإسرائيلي بالسجن مدي الحياة دون سند من القانون ودون أدلة ادانة تصلح اسبابا لمثل هذا الحكم الجائر‏,‏ غير القانوني وغير الأخلاقي‏,‏ وفي سجون إسرائيل آلاف الفلسطينيين صدرت ضدهم أحكام مثل هذا الحكم المعيب‏,‏ وآلاف آخرون في السجون بدون أحكام بل وبدون إبداء الأسباب‏,‏ تماما كما يحدث في النظم الدكتاتورية‏.‏ ومايحدث في السجون الإسرائيلية من ألوان التعذيب والانتهاكات لا تخفي علي أحد‏,‏ خاصة بعد أن قررت المحكمة العليا في إسرائيل إباحة استخدام التعذيب أثناء التحقيق لانتزاع الاعترافات‏,‏ وهذا بالضبط ما قلده الأمريكيون في سجن أبو غريب و‏13‏ سجنا آخر في العراق‏.‏


والبرغوثي مناضل ضد الاحتلال‏..‏ لم يقم يوما بالدعوة إلي الكراهية أو العنصرية‏,‏ وظل مطالبا بالحرية والديمقراطية والمصالحة‏..‏ وهو أحد القادة الفلسطينيين الذين يؤيدون عملية السلام في الشرق الأوسط تحت الرعاية الأمريكية‏,‏ ومن المطالبين بحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بالمفاوضات‏,‏ ولم يمارس نشاطه السياسي في الخفاء‏,‏ بل ظل يمارس دعوته علنا أمام عدسات التليفزيون ووسط جماهير شعبه‏..‏ لم يختبئ داخل كهف من كهوف الجبال ليحرك المقاتلين منه‏..‏ ولم يتول قيادة نشاط سري‏..‏ ولم يكن داعية للاعتداء علي المدنيين الإسرائيليين داخل الخط الأخضر‏,‏ كما كان رافضا لاعتداءات الجيش الإسرائيلي علي المدنيين الفلسطينيين دون رحمة بالنساء والشيوخ والأطفال وذوي العاهات‏..‏ وهو عضو منتخب من شعبه في المجلس التشريعي الفلسطيني ويمارس من خلال هذا المجلس حقه في محاربة الفساد والمحسوبية والانحرافات داخل المجتمع الوظيفي والسياسي الفلسطيني‏.‏ وقد طاف بدول العالم يدعو للحوار وللسلام‏,‏ وشارك في لقاءات مع الأمريكيين في الكونجرس ومع الإسرائيليين في الكنيست للدعوة إلي التعايش السلمي في وجود دولتين إسرائيلية وفلسطينية تتمتع كل منهما بالأمن وكانت هذه دعوته منذ كان زعيما للطلبة في جامعة بيرزيت‏,‏ وبنفس هذه الدعوة شارك في الإنتفاضة الفلسطينية السلمية ضد الاحتلال عام‏1987,‏


لكن اسرائيل مستمرة في استغلال الحالة الأمريكية التي اعقبت هجمات‏11‏ سبتمبر‏,‏ والحرب العالمية التي اعلنتها إدارة الرئيس بوش علي ما تسميه الإرهاب العالمي‏,‏ وتصور المناضلين من أجل تحرير وطنهم في فلسطين والرافضين للقمع وللاحتلال علي أنهم ضمن هذا الإرهاب العالمي الذي تحاربه أمريكا‏,‏ وحكومة إسرائيل الحالية تحكم باسلوب دكتاتوري صريح‏,‏ وتخرس ألسنة المعارضين لتجاوزاتها الاخلاقية والقانونية حتي من اعضاء الكنيست وقيادات الاحزاب‏,‏ وتكيل الاتهامات لكل من يوجه إليها النقد علي تصرفاتها الاستعمارية‏.‏


وبعد الحكم الجائر الذي فضح حقيقة الديمقراطية والعدالة والقضاء في اسرائيل سوف يتحول البرغوثي الي رمز وطني يلهم الشباب الفلسطيني والعربي عموما‏,‏ ويصبح في الذهن العربي مثل نيلسون مانديلا الذي ظل في سجون الحكم العنصري‏27‏ عاما وكان في مثل عمر البرغوثي‏(45‏ سنة‏)‏ ثم خرج منتصرا ليصبح رئيسا لبلاده ويقودها في عهد جديد انتهت فيه العنصرية وسادت الحرية‏.‏


ولن يكون السجن مدي الحياة نهاية لقصة النضال من اجل الحرية والحقوق الوطنية والانسانية‏..‏ لكن ذلك سيكون بداية لفصل جديد من النضال‏.‏


ألم يكن الواجب اخلاقيا علي قادة الدول الكبري‏,‏ أن يركزوا علي حق الشعب الفلسطيني في الحياة والديمقراطية والسلام العادل لكي نصدق انهم يريدون فعلا نشر الديمقراطية والحرية لشعوب الشرق الاوسط ؟‏!

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف