يقظة الضمير العربى
في البداية: الإدارة الأمريكية الحالية ليست هي كل الشعب الأمريكي. فالشعب الأمريكي لديه ضمير, وحس إنساني, وقيم أخلاقية, وتقاليد حضارية, لا تنعكس في مواقف الإدارة الأمريكية من عمليات العقاب الجماعي التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين, ولاتظهر في ممارسات قوات الاحتلال الأمريكي في العراق.
وكما تقول البروفيسور مارسيلا ديفيد الأستاذة بكلية الحقوق بجامعة أيوا: إن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وصف ما يحدث في سجن ابو غريب بأنه انتهاك, وتردد في استخدام كلمة تعذيب مع انه وصف ما جري بأنه فظيع. وحجة البعض أن ما يحدث في سجن ابو غريب ليس أسوأ مما كان يحدث في سجون صدام, وتقول: بالتأكيد لم يكن التعذيب في عهد صدام بمثل بشاعة التعذيب الذي مارسته المانيا النازية, ولكن كل ذلك لا ينفي أن الأمريكيين مسئولون عن عمليات التعذيب والقتل, واصابة عدد كبير من المسجونين بأمراض نفسية وعصبية, ومحاولات التهوين من هذه الفظائع تغذي لدي الأمريكيين الثقافة التي تنتج التعذيب والانتهاكات.
وتقول استاذة القانون الأمريكية ما قام به الأمريكيون من اعتداءات جنسية وعنف جسدي يمثل إهانة لاتغتفر في الثقافة العربية والاسلامية, والقانون الدولي يحرم المعاملة الوحشية وغير الانسانية والمهينة. وما يفعله الجنود الأمريكيون من جرائم كان تنفيذا لأوامر رؤسائهم, ويدعي الرؤساء أنهم فعلوا ذلك انفعالا بمنظر زملائهم الذين قتلهم العراقيون ومثلوا بجثثه, بالرغم من أن انتهاكات سجن ابو غريب كانت سابقة لهذا الحادث بشهور, ومع ذلك فقد ذهبنا لنخلص الشعب العراقي من سيئات حاكم شرير, فكيف يرتكب الأمريكيون الأفعال التي كان يرتكبها صدام؟. وكيف تصف إدارة بوش اعمال الجنود الأمريكيين بأنها أعمال رائعة, وبأنهم جنود( مدهشون) وانهم نموذج لشرف العسكرية يجب أن يحاكيه العالم(!)
* تقول البروفيسور مارسيلا ديفيد: من السهل تصوير الأعداء في صورة الشيطان, وتجريدهم من سمات الإنسانية, وأن نبرر اخطاءنا وبشاعة اعمالنا ونمجدها, ونتغاضي عن سوء الإدارة وضعف الإشراف في السجون ونقلل من حجم( القرف) والتقزز من بشاعة ما في الصور الفوتوغرافية وشرائط الفيديو التي تدعو للخزي. والغريب أن الرئيس بوش فعل ما لم يفعله رامسفيلد حين وصف ما حدث بأنه تعذيب, ويبقي أن يعترف بأن الجيش الأمريكي قام بالتعذيب علي نطاق واسع جدا ليس في العراق فقط: بل في افغانستان ايضا, ويتحتم علي الرئيس ـ بناء علي ذلك ـ أن يأمر بإجراء تحقيق دولي عن الانتهاكات ضد المعتقلين في خليج جوانتانامو ايضا, ولا بد من محاسبة سلسلة القيادات المسئولة عن هذه الانتهاكات ابتداء من القائد الأعلي للقوات المسلحة.
* وفي افتتاحية صحيفة هيرالد تربيون قالت: إن ما يتكشف يوميا من حقائق مفزعة في سجن ابو غريب يجعلنا نؤكد أن جلسات الاستماع لا تكفي, وأن التحقيقات والمحاكمات العسكرية الداخلية لن تكشف الحقائق كاملة, لأن المؤسسة العسكرية تدافع عن نفسها وتقول: إن المسألة أبسط مما تتصورون, وهذا ما يكذبه الصليب الأحمر, وشهادات المعتقلين, وتسجيلات البنتاجون نفسه, وفي السجلات العسكرية ما يفيد مقتل عدد من السجناء نتيجة التعذيب خلال عمليات الاستجواب الوحشية, وأن قائد القوات الجوية العراقية السابق سلم نفسه ومع ذلك قتله الجنود في أثناء التعذيب بعد أن حبسوه في كيس وجلسوا علي صدره, وغطوا فمه, واعلن البنتاجون أنه فقد الوعي.
أليست هذه جرائم تستحق أن تطالب الدول العربية بتحقيق دولي ومحاكمة امام محكمة جرائم الحرب.. لقد استيقظ الضمير الأمريكي فمتي يستيقظ الضمير العربي؟