الجانب الآخر لأمريكا

لم يكتشف العرب معلومات او صور عن التعذيب في سجون العراق‏,‏ وجوانتانامو‏,‏ وافغانستان‏,‏ وليس لديهم منها غير ما ينشر في الصحف الأمريكية‏,‏ وعلي ذلك فليس هناك معني لاحتجاج وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد علي الصحافة العربية واتهامها بإثارة مشاعر الكراهية تجاه أمريكا‏.‏

وما تنشره الصحافة الامريكية فيه الكفاية ويكفي أن نستعرض بعض مانشر في الايام الاخيرة‏:‏ صحيفة هيرالد تريبيون كانت افتتاحيتها يوم‏9‏ مايو الحالي بعنوان يتعين علي رامسفيلد أن يرحل قالت فيها‏:‏ منذ عام اعلن رامسفيلد المهمة انجزت أما الان فقد حان الوقت لكي يرحل رامسفيلد لأنه يتحمل مسئولية شخصية عن فضيحة سجن أبو غريب‏,‏ وهذا سبب كاف جدا‏,‏ لأن الولايات المتحدة اهينت بدرجة لم تستطع معها الحكومة اصدار التقرير السنوي عن حقوق الانسان الذي كان مقررا أن يصدر هذا الأسبوع‏,‏ وذلك خشية أن يسخر منها العالم‏,‏ وقد تلوثت سمعة جنودها الشجعان‏,‏ وازدادت صعوبة مهمة دبلوماسييها لأن العسكرية الامريكية عذبت وأهانت السجناء العرب بطرق اشعلت قلوب المسلمين في كل مكان‏,‏ ولم تكن تلك الانتهاكات احداثا فردية بالنظر إلي ذلك السيل من الشكاوي والصور والتقارير التي تبين أنها كانت علي مكتب رامسفيلد‏,‏ وينتظر العالم إشارة صريحة تدل علي أن الرئيس جورج بوش يتفهم خطورة ماحدث‏,‏ وهذا يتطلب ماهو أكثر من تصريحاته المتكررة التي يعبر فيها عن الأسف‏,‏ فليس أقل من أن يبدأ بوش بإقالة وزير الدفاع أو مطالبته بالاستقالة‏.‏

وقالت الصحيفة الامريكية أن ماحدث ليس من أعمال قلة من الفاسدين في الشرطة العسكرية‏,‏ ولكن ما حدث أن رامسفيلد تحول خلال العامين الماضيين من الثقة بالنفس الي الغرور ثم الي حالة من العمي عن رؤية الحقائق‏,‏ بعد أن أقنع الرئيس بإرسال القوات الامريكية الي مكان لم يشغل نفسه ابدا بمعرفة طبيعته ومخاطره‏,‏ ونحن نعلم الآن أنه لم يكن أحد في وزارة الدفاع مهما كانت درجته وسلطته كان يعلم ما تسببت فيه الادارة من توريط قوات التحالف‏,‏ لأن ثقة رامسفيلد الزائدة في قدرته علي ادارة الحرب بثمن رخيص سحرت الجيش والحرس الوطني‏..‏ والآن ليس علي الولايات المتحدة إلزام بمواصلة الصراع في هذا المستنقع العراقي بوزير دفاع هو الذي اغرقنا فيه‏(!)‏ وبالتأكيد فان بول وولفويتز ليس بديلا مقبولا وهو أحد المهندسين الرئيسيين لاستراتيجية الغزو‏.‏


وإذا كانت أكبر صحيفة أمريكية دولية تقول ذلك فماذا نقول نحن؟

اذا كان توماس فريدمان عراب الغزو الامريكي للعراق‏,‏ والمدافع اليومي عن كل مايقرره ومايفعله الرئيس بوش تحول الي النقيض وكتب مقاله الاخير في نيويورك تايمز بعنوان بوش يتحتم عليه أن يعمل لرد شرف امريكا قال فيه إن الامريكيين يواجهون خطرا أهم من اخطار الحرب في العراق‏,‏ هو خطر فقدان امريكا لمكانتها في العالم كسلطة اخلاقية ومصدر الهام للقيم‏,‏ ولم اسمع ابدا عن وقت واجهت فيه امريكا ورئيسها كراهية في انحاء العالم اكثر مما اسمع اليوم‏,‏ وقد كنت لتوي في اليابان‏,‏ فوجدت الجميع‏,‏ حتي الصغار‏,‏ يكرهوننا‏,‏ ولذا تحتاج ادارة بوش الي اعادة النظر بالكامل في سياستها في العراق‏,‏ وألا ستعود سياستها الحالية بكارثة علينا جميعا‏,‏ ولابد أن تبدأ المراجعة باقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد اليوم وليس غدا‏,‏ لأن ماحدث في سجن ابوغريب كان في أحسن الأحوال انحلالا في سلسلة القيادة تحت سلطة رامسفيلد‏,‏ وهو في أسوأ الاحوال جزء من سياسة مقررة من قيادة المخابرات العسكرية باهانة المسجونين اهانات جنسية حقيقية لانتزاع الاعترافات منهم‏,‏ وفي كلتا الحالتين فإن رامسفيلد مسئول بالكامل باعتباره وزير الدفاع‏,‏ واذا كانت امريكا تعيد بناء مصداقيتها كقيادة للقيم الانسانية‏,‏ وحكم القانون وبناء الديمقراطية في العراق وفي كل مكان في العالم‏,‏ فهذا يفرض علي الرئيس بوش أن يحاسب وزير دفاعه‏,‏ والكلمات قد تكون مهمة‏,‏ ولكن الافعال هي الاكثر اهمية‏,‏ ولو كانت قيادات وزارة الدفاع قد ادارت اية شركة امريكية بمثل هذا الاسلوب الجهنمي الذي أداروا به الحرب‏,‏ لكان اصحاب الاسهم قد عزلوهم علي الفور‏.‏


واخيرا فان توماس فريدمان يقول‏:‏ إن الرئيس بوش محتاج الان إلي الاعتراف بأن امريكا تخسر في العراق‏,‏ واذا استمرت هناك فسوف تستمر الخسارة‏.‏


هذه مجرد عينة لما يقوله الامريكيون‏..‏ فهل نستطيع أن نقول ما هو أكثر؟


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف