أزمة مصداقية

هل أصبحت مصداقية الرئيس بوش موضع شك حتي داخل امريكا‏,‏ بعد أن اتسعت فجوة التصديق في الخارج؟

أصبحت الشكوك في مصداقية بوش موضوعا يتكرر الحديث عنه في الصحافة الأمريكية‏,‏ حتي ان مجلة تايم أكبر وأشهر المجلات العالمية جعلته موضوع الغلاف‏,‏ وخصصت له عدة صفحات تحت ثلاثة عناوين مباشرة تقول‏:‏ هل يعاني بوش ثغرة في المصداقية؟ عندما تصبح المصداقية هي القضية‏..‏ ادارة بوش تواجه الشك في أقوالها في جبهات متعددة‏.‏ وقالت إن الثقة بالنسبة لأي رئيس هي القوة‏,‏ واذا فقدها لا يستطيع استردادها‏,‏ وهذا ما ينطبق الآن علي الرئيس جورج دبليو بوش‏,‏ الذي كانت سمات شخصيته لها جاذبية تعادل جاذبيته السياسية‏,‏ وكان الأمريكيون يقولون إنهم يحبونه لأنه صارم‏,‏ وصريح‏,‏ وصاحب مباديء‏,‏ حتي ولو اختلفوا مع هذه المباديء‏,‏ لكن النظرة إليه تغيرت بعد أن تزايدت الاحتمالات بأنه كان يكذب في شأن أسباب الذهاب الي الحرب في العراق‏,‏ أو انه لم يكن يعرف الحقيقة‏,‏ ولا يريد أن يعترف بذلك‏,‏ وكلا الاحتمالين لا يشجع علي الاطمئنان‏!‏


وكيف أكد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أن أسلحة الدمار الشامل موجودة في العراق‏,‏ وسيتم العثور عليها‏,‏ وكيف أكد مدير المخابرات جورج تينت صحة المعلومات الاستخباراتية‏,‏ وبعد أن تبين أن ذلك لم يكن صحيحا يقول الجميع‏:‏ لم نكن مخطئين‏,‏ ولن يتمكن أحد من اثبات أخطائنا‏.‏ وحتي الرئيس بوش لم يتردد في أن يكرر تأكيداته عن وجود هذه الاسلحة في مقابلة أخيرة مع برنامج واجه الصحافة فقال بالحرف‏:‏ انه‏(‏ صدام حسين‏)‏ استخدم الاسلحة‏,‏ وصنع الاسلحة‏,‏ وكان مصدر التمويل للمفجرين الانتحاريين‏,‏ وكانت له صلة بالارهابيين‏.‏ كل هذه العناصر قالت لي‏:‏ ان هناك تهديدا‏!‏

وتقول تايم ان البيت الابيض يحاول الدفاع عن الرئيس وقراراته بعد أن ظهرت مؤشرات علي ان ثقة الشعب الأمريكي فيه بدأت في التراجع حتي ان‏44%‏ فقط من الأمريكيين هم الذين قالوا إن بوش رئيس يمكن الوثوق فيه‏,‏ بينما قال‏55%‏ ان لديهم شكوكا وتحفظات حول مصداقية الرئيس‏,‏ وذلك في استطلاع للرأي أجرته تايم بالاشتراك مع شبكة سي‏.‏ إن‏.‏إن مما دعا زعيم المعارضة في مجلس الشيوخ السيناتور توم داشيل الي القول في المجلس‏:‏ سواء كان الامر يتعلق بأسلحة الدمار الشامل‏,‏ أو بالميزانية‏,‏ او بقضايا أخري كثيرة وتصريحات تصدر عن هذه الإدارة فإن مصداقيتها قد تآكلت بشكل مثير‏!‏


وتعلن تايم أن الاحساس يتزايد بأن هناك أمورا كثيرة في الادارة الامريكية تسير في الطريق الخطأ‏,‏ وانها تحمل الميزانية الأمريكية تكاليف باهظة‏,‏ وانها تقود الامور الي نقطة الخطر اذا لم يعرف الناس من الذي يمكن أن يثقوا فيه‏,‏ وماهي القضية التي يجب ان يؤمنوا بها‏,‏ وهذا اقل حقوق الناس في أي ديمقراطية‏,‏ وإلا فإن عدم المصداقية لابد أن يؤدي ليس إلي تدمير سلطة الرئيس فقط‏,‏ بل وإلي تدمير سلطة أمريكا‏,‏ وهذا ما عبر عنه السيناتور ايفان باي عضو لجنة الاستخبارت في مجلس الشيوخ بقوله‏:‏ إن مصداقيتنا هي مصدر القوة لحماية الأمن القومي‏,‏ والآن علينا استرداد المصداقية‏,‏ والشعب الامريكي يمكن أن يتفهم كيف يمكن للرئيس أن يرتكب خطأ ما‏,‏ ولكن لن يفهم كيف يرفض الرئيس الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه‏,‏ واتخاذ خطوات تضمن عدم حدوث أخطاء مرة أخري‏.‏

وحتي معاونو بوش يتنصلون من أخطائه إلي درجة ان وزير الخارجية كولين باول قال لصحيفة واشنطن بوست انه لو علم بأن الاسلحة لم تكن هناك لما كان ينصح بالذهاب للحرب‏.‏ وتقول تايم ان هذا التصريح أصاب البيت الأبيض بالجنون‏,‏ حتي انهم قرروا الرد يوميا وبعنف‏,‏ وكان أول المدافعين رامسفيلد الذي قال ان الاسلحة موجودة‏,‏ وربما تم اخفاؤها او نقلها الي دولة اخري‏,‏ او تم تدميرها في آخر لحظة‏,‏ او ربما خدع العلماء صدام حسين وجعلوه يعتقد انه يمتلك ترسانة أكبر مما كان يمتلك فعلا‏,‏ وكانت هذه شهادة رامسفيلد أمام مجلس الشيوخ‏.‏


وهكذا يحتدم الجدل حول مصداقية بوش‏,‏ ويقدمون عشرات المواقف والتصرفات التي تؤدي الي عدم المصداقية‏..‏

فلماذا نندهش عندما يعلن الرئيس بوش موقفا في المؤتمر الصحفي يؤكد فيه التزامه بخريطة الطريق‏,‏ ثم يعلن بعد‏48‏ ساعة نسف خريطة الطريق؟‏!

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف