الأزمة فى أمريكا

نتحدث كثيرا عن أزمة الشرق الأوسط‏,‏ وأسبابها‏,‏ وكيفية إيجاد حل عادل لها‏,‏ بينما الأزمة الحقيقية في أمريكا‏!‏

والأزمة في أمريكا مركبة وشديدة التعقيد‏,‏ وهي في الأساس أزمة الإدارة الأمريكية الحالية‏..‏ أزمة المصداقية في الداخل والخارج بعد أن ثبت أن جميع الأسباب التي أعلنتها لحرب العراق لم تكن صحيحة‏..‏ وبعد أن تبين بالوثائق أن الرئيس الأمريكي أبلغ عن ضربة يعدها بن لادن في أمريكا وكان ذلك يوم‏6‏ أغسطس‏2001,‏ لكنه ترك واشنطن وذهب في إجازة لمدة شهر كامل قضاه في مزرعته‏,‏ ثم أزمة اقتصادية وصلت إلي حد أن المنافس علي الرئاسة جون كيري وصفها بأن الرئيس بوش تسبب في زلزال مالي في أمريكا بعد أن زاد العجز في الميزانية هذا العام علي‏500‏ مليار جنيه‏.‏


هذه الأزمة أضيف إليها المأزق الاستراتيجي لأمريكا في العراق‏,‏ حيث فشلت محاولات إثارة الفتنة بين الشيعة والسنة‏,‏ وتوحد الشعب العراقي لرفض استمرار الاحتلال‏,‏ واشتعلت المقاومة في أنحاء العراق‏,‏ ولم يعد صحيحا القول بأن هذه أعمال إرهابية تقوم بها شرذمة محدودة العدد تدخل العراق عن طريق الحدود من البلاد المجاورة‏.‏

هي في الحقيقة مجموعة أزمات تضيق الخناق علي الإدارة الأمريكية وأدت إلي هبوط شعبية الرئيس بوش إلي أدني مستوي‏,‏ في وقت يحتاج فيه إلي رفع شعبيته بأي طريقة خلال الأشهر القليلة المقبلة قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل‏.‏


لم يجد الرئيس بوش ورقة تساعده علي رفع أسهمه وانتشاله من هذه الأزمات سوي الاستجابة لكل ما طلبه شارون‏,‏ وبلغ استغلال شارون لهذه الظروف إلي حد مطالبة الرئيس بوش بتقديم تعهد مكتوب من أمريكا بتأييد الانسحاب أحادي الجانب من غزة‏,‏ وبعض أجزاء من الضفة الغربية‏,‏ واقتطاع أجزاء من الضفة في أراضي الفلسطينيين أقامت عليها إسرائيل مستعمرات كبري‏,‏ وتعهد أمريكي بألا تكون حدود‏1967‏ هي الحدود النهائية‏,‏ واعتماد خط سير حائط العزل العنصري‏,‏ والتعهد بأن تكون إسرائيل دولة يهودية‏,‏ ولا يكون للفلسطينيين اللاجئين حق العودة إلي ديارهم وفقا للقرار‏194.‏

كل هذا التراجع عن السياسة الأمريكية يتعارض مع مواقف جميع الرؤساء الأمريكيين دون استثناء‏,‏ ويتعارض مع التعهدات الأمريكية الرسمية ابتداء من أوسلو‏,‏ حتي خريطة الطريق‏,‏ مرورا بتعهدات الرؤساء الأمريكيين علي وثائق القاهرة‏,‏ وشرم الشيخ‏,‏ والبيت الأبيض‏,‏ وقرارات الأمم المتحدة‏242‏ و‏338‏ و‏194.‏


هذا الموقف الأمريكي الجديد كانت له ردود فعل واسعة في العالم العربي‏,‏ وفي أوروبا‏,‏ وأصدر الاتحاد الأوروبي بيانا رفض فيه التعهد الأمريكي علي أساس أن التسوية أو تعديل الحدود وغيرها من الموضوعات يجب أن تترك للأطراف‏,‏ والمفروض أن يكون التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين‏,‏ وليس بين الإسرائيليين والأمريكيين‏,‏ وأمريكا لا تملك حق منح إسرائيل أجزاء من الأراضي الفلسطينية‏,‏ وإلا فإنها ينطبق عليها القول‏:‏ أعطي من لا يملك حقا لمن لا يستحق‏!‏ أو القول بأن هذا وعد بلفور جديد‏..‏ أو القول بأن أمريكا تملك الحق في أن تعطي من الأرض الأمريكية لمن تشاء لكنها لا تملك حق التصرف في أرض الغير‏.‏

لكن هذا الموقف من الرئيس بوش الذي يمثل انقلابا علي موقفه قبل‏24‏ ساعة عندما أعلن ان الانسحاب من غزة جزء من خريطة الطريق‏,‏ وان الولايات المتحدة تؤكد تعهداتها والتزامها بتنفيذ هذه الخريطة‏,‏ وإقامة الدولة الفلسطينية‏..‏ هذا الموقف يزيد تعقيد أزمة أمريكا في الشرق الأوسط‏..‏ ويجعلها تخسر ما كسبته في الأيام الأخيرة عندما تفاءل العرب خيرا من تصريحات بوش المبشرة بضمان تسليم السلطة للعراقيين‏,‏ والإصرار علي تنفيذ خريطة الطريق‏.‏


وباختصار فإن الإدارة الأمريكية الحالية تتخبط في مواقفها وتضحي بأصدقاء ومصالح امريكا وبالشرعية الدولية مقابل الفوز بفترة رئاسية ثانية‏(!)‏ وحتي مشروع الشرق الأوسط الكبير ليس سوي ورقة انتخابية‏!‏


ويبقي الموقف العربي‏..‏ وردود الفعل في القمة العربية المقبلة‏..‏ وإذا لم يكن هذا هو الوقت لإعلان موقف عربي قوي وواضح في مواجهة هذا الخطر الشديد فكيف يمكن حماية النظام العربي من الانهيار؟

هل نتفاءل وننتظر القمة وما ينتج عنها‏.


 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف