حرية الإعلام فى أمريكا
تضمنت الخطة الأمريكية للإصلاح السياسي في العالم العربي إطلاق حرية الرأي, وحرية الصحافة, وضمان عدم الاحتكار لوسائل الإعلام. الغريب أن الولايات المتحدة نفسها تشهد هذه الأيام جدلا حادا حول ملكية وسائل الإعلام التي وصلت إلي مرحلة الاحتكار.
والصحافة الأمريكية تتحدث عن سيطرة الاحتكار علي وسائل الإعلام, وتنذر بأن ذلك يهدد الديمقراطية الأمريكية تهديدا خطيرا, ويهدد أيضا التعددية السياسية والفكرية. وقد انتقل هذا الجدل إلي الكونجرس منذ أشهر, بعد أن قررت لجنة الاتصالات الفيدرالية في2 يونيو العام الماضي السماح للشركة الواحدة بامتلاك عدد من المحطات الإذاعية في حدود45% من حجم المحطات الإذاعية الأمريكية, بينما كان الحد الأقصي للملكية المسموح به للشركة الواحدة35%.
وفي الوقت نفسه, قرر الكونجرس التوسع في الإعلام الحكومي ووافق علي تخصيص37 مليار دولار لتمويل وكالات فيدرالية تعمل في مجال الإعلام.
وقد كتب رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية مايكل باول مقالا في صحيفة هيرالد تريبيون يوم27 يوليو الماضي عن الجدل الحاد حول ملكية وسائل الإعلام قال فيه إن الأمر يتعلق بالقيم الأمريكية الجوهرية, كما يتعلق بمدي إيمان الأمريكيين بأهمية التنوع في الآراء, ومدي حرص الحكومة الأمريكية علي حماية المنافسة, ومنع الاحتكار, والسيطرة علي شبكات التليفزيون, حتي لا يسيطر عدد محدود من الشركات المالكة للصحف ومحطات التليفزيون علي عقول الأمريكيين وتوجهاتهم السياسية.
والولايات المتحدة ـ كما هو معروف ـ هي التي تمتلك أكبر وسائل الإعلام في العالم, وأكثرها تأثيرا في الداخل والخارج, وكانت الولايات المتحدة تعلن شعورها بالفخر لهذا التفوق لأن لديها أكبر رقم في العالم, سواء في حجم الإصدارات من الصحف والكتب ومواقع الانترنت, أو عدد الملاك, أو شركات الإنتاج, كما أن سوق الإعلام الامريكية زاخرة بالتنوع والاختلافات في الرؤي والاجتهادات, وأنها حريصة علي منع الاحتكار, ومنع السيطرة الحكومية علي سوق الإعلام, لكن ذلك تغير الآن, بعد أن حدث تركيز في الملكية حتي إن خمس شركات فقط أصبحت تسيطر علي80% مما يشاهده ويسمعه الأمريكيون, وهذه الشركات الخمس تملك أكثر من300 محطة إذاعية وقناة فضائية مفتوحة ومشفرة, ووفقا لما ذكره رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية فإن نصيب هذه الشركات لا يقل عن80% من عدد المشاهدين والمستمعين في أمريكا, برغم الشكوي من غلبة الجنس والعنف علي المواد التي تقدمها هذه المحطات.
ويحذر رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية من عواقب التركيز في ملكية الميديا, ومن تزايد استخدام المطرقة الحكومية للتأثير في توجهات الإعلام فيما يخص التصورات المستقبلية, أو تقويم الماضي, كما يحذر من تزايد الاتجاه إلي التأثير في المحتوي الذي تقدمه وسائل الإعلام, وتزايد الاتجاه إلي تدخل الحكومة أكثر مما تفعل لقمع آراء معينة ومساندة آراء أخري!
وينبه رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية إلي حقيقة مهمة في واقع الإعلام الأمريكي, هي أن الأرقام والنسب المئوية وحدها لا تكفي لمعرفة قوة التأثير لعدد محدود من المحطات التليفزيونية, فالمحطات الأربع الكبري مجتمعة تملك3% من محطات أمريكا التليفزيونية, وهي محطات: سي.بي.إس و إن.بي.سي و إيه. بي.سي, و فوكس, ولكنها هي الأقوي تأثيرا علي الأفكار والتوجهات داخل أمريكا وخارجها. ويقول إن هناك قواعد لتحديد عدد المحطات التي يمكن للشخص الواحد أن يمتلكها في المجال الواحد( إذاعة ـ تليفزيون ـ صحافة), ولكن التوجه الجديد للكونجرس يمكن أن يفتح الباب أمام الاحتكار, وعلي سبيل المثال فإن شبكة فوكس التليفزيونية تتجاوز الحد الأقصي المقرر(35%) وتمتلك35 محطة وكذلك فإن إذاعة( سنكلسير) تمتلك14% من حجم الإذاعات, لكن هذه النسبة جعلتها تملك56 محطة!, وذلك لأن الحد الأقصي المقرر يسمح بامتلاك محطات إذاعية أكثر من محطات التليفزيون, ويسمح لشركة مقرها في ولاية أطلانطا مثلا بأن تملك محطات في ولايات أخري في حدود النسبة المقررة.. وهكذا.
الغريب أن رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية ـ بعد كل ذلك ـ يطالب برفع الحد الأقصي للملكية بحجة أن ذلك سيؤدي إلي تحسين المحتوي الذي تقدمه الإذاعات والتليفزيونات الأمريكية, ويقول: إن قضية ملكية الميديا ليست قضية سهلة.
الأغرب أن الولايات المتحدة حين تخاطب العالم العربي وتطالبه بتغيير نظام الملكية لوسائل الإعلام تقول إن هذه قضية سهلة!