بين بوش و كيرى
يتابع الرأي العام العربي معركة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة منذ بدايتها, علي أمل أن تسفر عن تغير جوهري في السياسة الأمريكية تجاه العرب والمسلمين يؤدي إلي حل الأزمات, وتخفيف الضغوط الأمريكية عليهم.
وحتي الآن فمن خلال الخطاب السياسي لكل من المرشحين الأساسيين الرئيس بوش والمرشح الديمقراطي جون كيري نلاحظ أن هناك إطارا عاما يتحركان داخله, أو استراتيجية واحدة, سواء بالنسبة للانحياز لإسرائيل مع اختلاف طفيف بينهما في درجة الانحياز, أو بالنسبة لموقع أمريكا في قيادة النظام العالمي الجديد مع اختلاف في طريقة أمريكا في قيادة العالم, أو بالنسبة للأزمة الاقتصادية الحالية في الولايات المتحدة مع اختلاف حول كيفية الخروج منها, وهكذا.. حتي يمكن القول إن الاختلاف بينهما ليس تناقضا أساسيا, ولكنه اختلاف تكتيكي.. هو اختلاف علي الطريقة والأسلوب, وليس اختلافا علي الأهداف, فيما عدا الحرب علي العراق التي يري كيري أنها كانت خطأ من الأساس وقائمة علي سلسلة من الخداع والأكاذيب, وسيؤدي استمرارها إلي كارثة.
يبدو كيري قائدا جادا يكره المناورة والخداع, ويقدم نفسه علي انه محارب قديم, خاض حرب فيتنام, ولم يمنعه الاشتراك فيها كجندي من إعلان إدانته لها, بينما يبدو الرئيس بوش مناورا, تملص من الخدمة العسكرية بفضل نفوذ والده والحق بالخدمة المدنية في الحرس الوطني, ولم يكن منتظما في الخدمة, وهذه نقطة ضعف يستغلها خصومه السياسيون, ومع ذلك فإن بوش يقدم نفسه علي انه رئيس حرب. بينما يعقد كيري مقارنة بين حرب بوش في العراق, وحرب جونسون ونيكسون في فيتنام, وهي الحرب التي أثبتت سذاجة التفكير السياسي بادعائها أن سقوط فيتنام سيؤدي إلي سقوط عدد آخر من الدول تلقائيا وفق نظرية الدومينو, وأن نهاية الشيوعية الصينية سوف تكون في فيتنام, واستمرت الحرب, عشر سنوات لأن المسئولين في الإدارة الأمريكية رفضوا الاعتراف بالحقيقة وبعدم جدوي استمرار الحرب, ورأوا أن هذا الاعتراف سيؤدي إلي فقدان الثقة الشعبية في قيادتهم, لكن الأمور تطورت واضطرت الإدارة الأمريكية الي الاعتراف بالحقيقة والانسحاب, ولكن متأخرا جدا وبعد خسائر هائلة.
بالنسبة للعالم العربي فإن ما يهمه هو موقف الاثنين من القضية الفلسطينية, والاستمرار, أو عدم الاستمرار في احتلال العراق, واستمرار أو عدم استمرار روح التعصب السياسي السائدة في الإدارة الأمريكية وإصرارها علي حرب طويلة تشمل أنحاء العالم الاسلامي ضد عدو غامض غير محدد, ولا تعرف أمريكا أين تجده لتحاربه, فالإرهاب الذي أعلنت الحرب عليه ينتشر أكثر وأكثر بعد غزو افغانستان والعراق!, ولم تستطع أمريكا حتي الآن هزيمة الإرهاب في العالم أو حتي في أفغانستان والعراق! ولم تفعل سوي إغلاق أبوابها أمام الزائرين, ووضع مواطنيها في حالة دائمة من الرعب بإعلانات شبه يومية عن هجمات متوقعة تبرر الاعتداءات علي الحريات والاجراءات الاستثنائية في المراقبة والتنصت وعدم احترام الخصوصية.
بوش وكيري متفقان علي أن أمريكا هي التي يجب أن تقود العالم, لأنها القوة العظمي الوحيدة المسيطرة والتي يجب أن تظل مسيطرة علي شئون العالم, مع اختلاف حول أسلوب أمريكا في قيادة العالم؟ هل تكون قوة تحرر أم قوة تهدد وتزعزع الاستقرار والأمن في العالم, وهل تظل بسياسة بوش الخاصة بالحرب الاستباقية, والتدخل في الشئون الداخلية للدول, والانفراد بالقرار, وعلي الحلفاء والأصدقاء أن يسيروا وراءها أتباعا وليسوا شركاء؟
وقد عبر عن هذا المعني زبيجينو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر في كتاب جديد بعنوان الاختيار: الهيمنة أم القيادة يقول فيه: إن السلوك المتنمر لإدارة بوش وحرصها علي الهيمنة والسيطرة علي حلفائها وعلي خصومها أدي الي أزمة في الحرب, وأثر تأثيرا سيئا علي مصالح أمريكا, وتستطيع أمريكا القيام بدور القيادة دون الانفراد بالقرار, أو الاستهانة بالحلفاء والتعالي عليهم. جون كيري يفضل هذا الاتجاه, ولذلك يتحدث عن السياسة الجماعية لأمريكا بديلا عن السياسات الإمبريالية الحالية.
هذه القضايا تهمنا.. ولكن الأولوية بالنسبة للناخب الأمريكي هي الظروف الاقتصادية, ومعالجة مشكلات البطالة والكساد وأسعار الوقود.. إلخ.. والأشهر المقبلة سوف تشهد فصولا جديدة بهدف إلي التأثير علي الناخبين.. ولعبة الانتخابات في النهاية لا تحسمها المباديء.. ولكن تحسمها المناورات والقوي المؤثرة صاحبة المصالح.. وعلينا أن ننتظر لنري!!.