لعبة معاداة السامية

في فرنسا‏,‏ اجتمعت منذ أيام مجموعة من كبار المفكرين اليهود الأوروبيين مع مجموعة من نظرائهم الإسرائيليين‏,‏ وبعيدا عن الأضواء أمضوا أياما في قصر منعزل في نورماندي وتفرغوا لبحث موضوع العلاقة بين اليهود في المجتمعات الغربية‏,‏ والذين أصبحوا جزءا منها‏,‏ وبين مطالبة إسرائيل لهم بأن يكون ولاؤهم لها بالدرجة الأولي بحيث يسبق الولاء للدول والمجتمعات التي ولدوا فيها ويحملون جنسياتها‏.‏


بحثوا أيضا موضوع معاداة السامية‏,‏ بجذوره التاريخية في أوروبا‏,‏ وانتهاء موجة العداء لليهود الآن‏,‏ بينما لم ينته الشعور بالاضطهاد لدي اليهود سواء كان هذا الشعور حقيقيا أو مجرد لعبة سياسية للابتزاز والضغط علي الآخرين‏,‏ ولتعميق الشعور بالذنب في الغرب باعتباره المسئول عن اضطهاد اليهود‏,‏ وعن المحارق ومعسكرات التعذيب في الماضي‏.‏


شارك في هذا الحوار عشرون من أوروبا‏..‏ منهم أساتذة جامعيون‏,‏ وكتاب وصحفيون كبار مثل الفيلسوف الفرنسي اندريه جلوكسمان‏,‏ والكاتب الفرنسي الكبير دومنيك مواسي المتخصص في الشئون الدولية‏,‏ وعالم الانثروبولوجيا جوناثان فيبر‏,‏ والناقدة الأدبية البريطانية جاكلين روز‏,‏ والمفكر البولندي كونستانتي جيبرت‏,‏ والكاتب السويدي جوران روزنبرج‏,‏ والباحث الألماني ميتشا برومليك‏,‏ والروائي النمساوي دورون رابينوفيس‏,‏ ومعهم عدد آخر من الشخصيات اليهودية البارزة في مجالات الفكر والنشاط الأكاديمي والتحليل السياسي في إيطاليا‏,‏ وسويسرا‏,‏ والمجر‏,‏ وكرواتيا‏,‏


ومن إسرائيل شارك خمسة من كبار الباحثين من أمثال‏:‏ فانيا اوز ـ سالز بيجر‏,‏ ودافنا جولان‏,‏ وجيدون ليفي‏.‏ واجمعوا علي أنه آن الأوان لطي صفحة الماضي بما فيها من مآس‏,‏ وعدم التوقف عندها بأكثر مما يجب‏,‏ وفتح صفحة جديدة للعلاقات مع أوروبا ومع العالم لا اثر فيها لاستخدام سلاح معاداة السامية لإرهاب الآخرين‏,‏ وليس فيها التشاؤم من مستقبل إسرائيل‏,‏ والبدء بمسيرة يهودية جديدة خالية من التعصب والكراهية والخوف تسمح بالتعددية الديمقراطية‏,‏ وحقوق الإنسان لليهود ولغيرهم من البشر‏,‏ وملتزمة بالعدالة الاجتماعية والسياسية‏,‏ وبقبول الآخر‏,‏ والتصالح مع خصوم الأمس‏,‏ وإعادة بناء دولة إسرائيل علي مبادئ جديدة من التسامح واحترام حقوق الاقليات التي تعيش فيها‏,‏ والعمل وفق مصالحها دون الاستهانة بمصالح الآخرين‏.‏


وكان التركيز في المناقشات علي أوضاع مستقبل الفلسطينيين‏,‏ وانتهي الحوار إلي ادانة الاحتلال الإسرائيلي والعنف المفرط من جانب القوات الإسرائيلية‏,‏ ليس فقط لتعارضه مع حقوق الفلسطينيين وزيادة المعاناة اليومية عليهم‏,‏ ولكن بسبب الآثار المدمرة لهذه السياسة علي المجتمع الإسرائيلي ذاته‏,‏ وهي آثار مدمرة سياسيا واقتصاديا ونفسيا‏,‏ فضلا عن عواقبها علي اليهود خارج إسرائيل‏,‏ وتطرق الحوار إلي ضرورة البدء في إجراءات عملية للتوصل إلي تسوية للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني‏.‏


أهم ما توصل اليه هذا الحوار هو الاتفاق علي ضرورة انهاء لعبة معاداة السامية التي تستخدم كسلاح لاسكات كل صوت يعارض سياسات وممارسات الحكومة الإسرائيلية‏,‏ وضرورة المصالحة بين يهود الداخل في إسرائيل ويهود الخارج في انحاء العالم الذين فرقت بينهم الصهيونية علي مدار عقود وعمقت فكرة ان اليهود الصالحين هم فقط الذين استوطنوا إسرائيل اوساندوا الدولة اليهودية سياسيا وماليا في كل مافعلته وتفعله دون تحفظ‏,‏ وكذلك ضرورة الاستماع إلي اصوات العقل داخل إسرائيل التي تعبر عن الغضب من السياسات التي تتبعها دولتهم‏,‏ ويطلبون المساندة من يهود أوروبا الذين يتمتعون بقدر من الاستقلال يسمح لهم بانتقاد إسرائيل ومطالبتها باستراتيجية جديدة أكثر اعتدالا وتسامحا وتقبلا للآخرين‏.‏


كان هدف الحوار الرغبة في تحرير العقل اليهودي من النظريات والأفكار التقليدية الجامدة ومن الصورة النمطية عن اليهودي الإسرائيلي باعتباره صاحب الولاء‏,‏ والجدير بالثقة واليهودي الأوروبي الذي ينظر اليه علي أنه علي العكس من ذلك‏.‏


مثل هذه الحوارات‏..‏ لماذا لايشارك فيها مفكرون عرب ومسلمون‏..‏ لكي يكون صوتهم حاضرا مسموعا فيها‏..‏ فإن مايقال فيها اليوم سيكون له تأثيره غدا‏..‏ لماذا يتقرر كل شيء يمس العرب والمسلمين في غيابهم‏..‏؟‏!

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف