لم يبق إلا الإعتراف
يبدو أنه لم يبق أمام الإدارة الأمريكية سوي الاعتراف بمسئوليتها عن الأخطاء التي ارتكبتها في حرب العراق, وعن نتائجها. وقد تزايدت حدة النقد في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم, فيما يشبه الإجماع علي أن هذه الإدارة اندفعت دون حساب للعواقب.
الأسقف الشهير ديزموند توتو الحائز علي جائزة نوبل, ألقي خطابا في لندن منذ أيام دعا فيه الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير للاعتذار لحربهما غير الأخلاقية علي العراق علي حد قوله, لأن حربهما جعلت العالم أقل أمنا مما كان, وطالبهما بأن يعترفا بأخطائهما وأن يطلبا الصفح, وقال إن الرئيس بوش أعلن الحرب علي أنظمة قاسية, بينما كان يؤيد عقوبة الإعدام عندما كان حاكما لولاية تكساس. ووجه اللوم إلي الإدارة الأمريكية لموقفها المؤيد لسياسة الحكومة الإسرائيلية, وقال: لقد تعلمنا في جنوب افريقيا أن الأمن لا يأتي من فوهة البندقية.
وديفيد كاي كبير المفتشين الأمريكيين عن أسلحة الدمار الشامل في العراق سبق أن أعلن في شهادته أمام أعضاء الكونجرس: كلنا كنا مخطئين لأنه لم يكن هناك أي أسلحة للدمار الشامل في العراق, وكذلك فعل سكوت ريتر رئيس مفتشي الأمم المتحدة في العراق من عام1991 حتي1998, وقال: لقد بذلت أقصي ما أستطيع لمطالبة إدارة بوش بتقديم معلومات تؤكد مزاعمهم عن وجود هذه الأسلحة, ولم يقدموا ما يكفي, فلجأت إلي كتابة مذكرات, ثم لجأت إلي الصحف للتنبيه إلي خطورة الذهاب إلي حرب بناء علي تهديد مبالغ فيه... ورولف ايكوس الرئيس السابق لمفتشي الأمم المتحدة أعلن أنه أشرف علي نزع أسلحة العراق بالكامل في أوائل1996,.. وهانز بليكس رئيس مفتشي الأمم المتحدة في العراق اكد علنا وقبل الغزو بأن المفتشين لم يعثروا علي دليل علي وجود أسلحة, أو برامج متعلقة بأسلحة دمار شامل في العراق. وأيضا أكد كل من السفير جوزيف ويلسون الذي يعلم الكثير عن العراق, وجريج تيلمان محلل الاستخبارات بوزارة الخارجية الأمريكية ـ علنا أن الادعاء بوجود أي أسلحة دمار شامل في العراق ادعاءات بدون دليل.
وقد امتدت حملة الانتقادات لتشمل الإسراف في ميزانية الدفاع التي تتبعها الإدارة الحالية, وقد خصصت صحيفة هيرالد تريبيون افتتاحيتها يوم6 فبراير لهذا الموضوع, وكتبت تحت عنوان تبديد الأموال تقول إن إدارة بوش لو كانت جادة في ممارسة مسئوليتها لكانت قد قدمت إلي الكونجرس ميزانية عن التكاليف الحقيقية للعمليات العسكرية, وأوقفت البرامج التي كان لها ما يبررها في فترة الحرب الباردة, وركزت علي متطلبات القوة العسكرية في القرن الحادي والعشرين. ولكنها بدلا من ذلك طلبت تدعيم ميزانية وزارة الدفاع الأساسية بزيادة20 مليار دولار علي العام السابق, دون أن يدخل في ذلك تكاليف الحرب في العراق, وأفغانستان التي ستضيف50 مليار دولار أخري, ولن تقدم الفاتورة إلي الكونجرس إلا بعد الانتخابات الرئاسية, هذا بالإضافة إلي الأموال التي تنفقها الإدارة الحالية علي برامج الأسلحة النووية التي تديرها وزارة الطاقة, والمبالغ الإضافية التي طلبتها وزارة الدفاع والتي تبلغ402 مليار دولار.. أي أن مجموع التكاليف بلغ نصف تريليون دولار, ووزارة الدفاع تطلب المزيد من أجل تطوير أسلحة جديدة مثل الطائرات المقاتلة بدون طيار, وتطوير المعدات المستخدمة في القتال في العراق وأفغانستان. وبرامج أخري أكثر تعقيدا وأكثر تكلفة كان لها ما يبررها, حين كان من المحتمل ـ ولو نظريا ـ قيام صراع مسلح بين قوتين علي درجة عالية من التقدم التكنولوجي, وكان ضمن هذا البرنامج المقاتلات( اف ـ22) التابعة للقوات الجوية, و(اف ـ18) التابعة للقوات البحرية, و(اف ـ35) للقوات المشتركة, وتكلفة تطوير الطائرات بدون طيار تبلغ ملياري دولار.. وتبلغ الزيادة في ميزانية القوات الجوية9,6%, بينما الزيادة في الجيش1,8% فقط, وهذا يعني تحميل الجيش أعباء القتال والقوات منتشرة بدرجة مرهقة.. وكذلك فإن الميزانية المخصصة للدفاع الصاروخي تبلغ عشرة مليارات دولار, أما موقف الكونجرس السلبي من كل هذا الانفاق من الأموال فإنه موقف لا يخدم مصالح الشعب الأمريكي. والدفاع القوي لن يتحقق بإلقاء أموال أكثر علي الأسلحة الخطأ, ولكن الأمن يتحقق بترشيد الإنفاق وتوجيه الأموال وفق أولويات صحيحة وبروح المسئولية.
أما الكاتب الأمريكي جيوفراي ويتكروفت فيقول إن حرب العراق خطأ يماثل خطأ فرنسا وبريطانيا في حرب السويس عام1956.. كلاهما مغامرة مبنية علي سلسلة من التناقضات والأوهام.. كانت تبدو عملا بطوليا ولكنها كانت في حقيقتها حربا قائمة علي الخداع.. وكانت النتائج في حرب1956 فاجعة, واضطرت انجلترا وفرنسا إلي الخروج.. والآن علي أمريكا أن تفعل ذلك!