و ماذا عن معاداة العرب
في حلقة نقاشية شارك فيها عدد من كبار اساتذة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والمفكرين, تعددت الآراء حول اجازة الكونجرس الأمريكي قانون المتابعة العالمية لمعاداة السامية وتصديق الرئيس بوش عليه يوم16 اكتوبر الحالي.
ومع تعدد وجهات النظر حول اسباب ونتائج هذا القانون, كان الاتفاق تاما علي انه قانون ينذر بأخطار غير محدودة علي العرب والمسلمين, وانه صدر لكسب اصوات اليهود لصالح بوش, ولكن ذلك يؤكد انه يمثل تعبيرا عن العداء للعرب والاسلام, لأن الولايات المتحدة بدأت تطبيق هذا القانون بانشاء مرصد لتتبع كل ما يكتب وما يقال في انحاء العالم, تعتبره ـ وفقا لمعاييرها ـ عداء للسامية, وستقدم الخارجية الأمريكية تقارير الي الكونجرس ابتداء من منتصف نوفمبر لمعاقبة الدول, وملاحقة الأفراد الذين تتهمهم بمعاداة السامية..وتنفيذ هذا القانون بالقوة الامبراطورية الأمريكية انتهاك صريح للقانون الدولي ـ يضاف الي الانتهاكات الكثيرة الأخيرة ـ وهو خطر شديد علي الدول وعلي حرية التعبير, لان كل تعبير عن رفض الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية وادانة السلوك الاسرائيلي القائم علي اباحة اغتيال المدنيين, واغتصاب الأرض, وهدم البيوت, واستباحة القري والمدن الفلسطينية, يمكن اعتباره من منظور هذا القانون معاداة للسامية,
ولابد ان هذا القانون قد صدر لتكميم افواه العرب, وارهاب اصحاب الرأي والسياسيين, لكي يلوذوا بالصمت, والا فسوف يجدون انفسهم في قبضة أمريكا مساقين لمحاكمات وسجون قد لاتكون مختلفة عن سجن أبو غريب أو جوانتانامو! وربما يكون هناك ما هو أسوأ بعد إعلان الإدارة الأمريكية عن تشكيل ميليشيات لتصفية من تعتبرهم من الارهابيين ومن يؤيدهم في كل مكان وهذا تعبير فضفاض يتسع لمعارضي سياسات امريكا واسرائيل.
والطبيعي ان يستجيب السياسيون ونشطاء المجتمع المدني والمثقفون والمدافعون عن حقوق الانسان في العالم للدفاع عن البقية الباقية من الحقوق العربية, ومنها الحق في التعبير عن رفض وكراهية النظم الاستبدادية التي تستخدم العنف المفرط ضد المدنيين, وتقتل منهم عشرات الالاف علنا وبغير سبب سوي انهم يدافعون عن حرية واستقلال اوطانهم, ويرفضون الاحتلال الأجنبي لبلادهم, ويقاومون الغزو القادم اليهم.
واذا كانت الولايات المتحدة دولة الحرية والعدل والمساواة كما يقال, فلقد كان المنتظر ان تصدر القانون شاملا لكل صور العداء للأديان والشعوب والدول, بحيث ينطبق علي العداء للعرب وللإسلام ويعتبر ذلك جريمة, ولايقتصر علي معاداة اليهودية فقط, وكان الواجب ان يحدد القانون مفهوم معاداة السامية بدقة ولايترك المسألة تتسع لكل رأي وكل شخص يعترض علي ارهاب الدولة, أو يمارس التمييز ضد الآخرين, وبماذا يمكن وصف الجدار الفاصل الذي تقيمه اسرائيل اذا لم يكن تعبيرا عن معاداة العرب, وبماذا نسمي اصرار زعماء اسرائيل علي انها دولة يهودية مما يعني معاداة ونفي الديانات الاخري؟ وبذلك تكون هي الدولة الوحيدة في العالم القائمة علي اساس الدين والجنس, ألا يعتبر ذلك معاداة لغيرهم؟ وبماذا نسمي الخلط طبقا لهذا القانون بين المقاومة المشروعة بالقانون الدولي للاحتلال بصرف النظر عن جنس وديانة المحتل وبين الارهاب وفقا لتعريف الأمم المتحدة؟
وقد نبهنا اساتذة مركز البحوث السياسية بكلية الاقتصاد الي خطر اخر يتمثل في تقرير روفان الذي قدمه جان كريستوف روفان لوزير الداخلية أخيرا ويدعو لاعتبار معاداة السامية في الاعلام والتعليم جريمة وذلك مقدمة لارهاب كل من يعمل علي دعم الحق الفلسطيني والنشاط الاسلامي, ولا يستبعد ان ينتشر هذا الاتجاه في دول اوروبا الاخري.
وقد اصاب هؤلاء الاساتذة الذين ربطوا بين هذا السلاح الجديد الموجه ضد العرب والمسلمين, بين الدعوة الغامضة لتغيير العالم العربي التي يقودها الرئيس بوش, والتي تمثل المسمار الاخير في نعش القانون الدولي ومبدأ سيادة واستقلال الدول في شئونها الداخلية.
أقل ما يمكن عمله ان تنشأ في العالم العربي مراصد لتتبع كل ما يكتب وما يقال ضد العرب والمسلمين ومتابعة سلوك واتجاهات الكتاب والسياسيين المعادين للحقوق العربية والاسلامية, وان تترجم علي أوسع نطاق هذه الكتابات العدائية ويتم الرد عليها أولا بأول, ولابد من انشاء مركز علمي علي أعلي مستوي للدفاع عن العرب والاسلام في كتب ومقالات وفضائيات بلغات متعددة وتوضيح الحقائق التي توشك أن تضيع في موجات العداء التي تشتد يوما بعد يوم.
وهذه المهمة لا تحتمل الانتظار لأن الوقت ليس في صالحنا!