تخبط فى الفكر الأمريكى

مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية تشتد الحملات الانتخابية‏,‏ وتتكشف الحقائق‏,‏ ويعلن الصامتون مواقفهم الحقيقية‏.‏


السيناتور جون ماكين قال في مؤتمر الحزب الجمهوري‏:‏ إن الأمريكيين بقيادة الرئيس بوش كانوا علي موعد مع القدر‏,‏ وإن قرار بوش بالحرب في العراق كان اختيارا لمهمة نبيلة ضرورية ويمكن تحقيقها‏,‏ وقال المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور‏:‏ إن الرئيس بوش رئيس مخادع‏,‏ وعلق جون ادواردز المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس علي قول ماكين بأن بوش انتصر في العراق قائلا‏:‏ لم يعد هناك وقت لإعلان الهزيمة‏.‏


وقال الرئيس بوش أخيرا في مقابلة تليفزيونية مع شبكة‏(‏ إن‏.‏بي‏.‏سي‏):‏ أعتقد انه لا يمكن الفوز علي الإرهاب‏,‏ ولا يمكننا أن نظهر ضعفنا الآن‏,‏ فالأعداء متربصون وسوف يستثمرون هذا الضعف‏!‏


وقبل ذلك بشهر واحد قال العكس في مقابلة تليفزيونية مع لاري كينج في شبكة‏(‏ سي‏.‏إن‏.‏إن‏):‏ إن أمريكا سوف تنتصر علي الإرهاب كما انتصرت علي الفاشية‏.‏

وكرر بثقة‏:‏ هل تراهنني؟‏..‏ نعم سوف نفوز في الحرب علي الإرهاب‏!‏


وكرر الرئيس بوش‏:‏ لقد أصبحت أمريكا أكثر أمنا بعد الحرب علي الإرهاب‏,‏ بينما قال جون كيري المرشح الديمقراطي للرئاسة‏:‏ لقد أصبح الأمريكيون أقل شعورا بالأمن وفقدوا كثيرا من حرياتهم في بلدهم‏.‏


وكتب المعلق الشهير بول كروجمان مقالا في نيويورك تايمز بعنوان لماذا اختار بوش تقمص شخصية رامبو؟‏.‏


قال فيه‏:‏ إن من عجائب السياسة الأمريكية الحديثة ما يتمتع به بوش وأنصاره من قدرة علي تغليف أهدافهم الحزبية والشخصية بالعلم الأمريكي رمز الوطنية‏,‏ بينما هو ومعظم معاونيه تهربوا من أداء الخدمة العسكرية في فيتنام‏.‏


ديك تشيني نائب الرئيس طلب تأجيل خدمته العسكرية خمس مرات‏..‏ وجون أشكروفت طلب تأجيل الخدمة سبع مرات‏..‏ أما الرئيس بوش نفسه فقد تم تعيينه في مكان مريح في الحرس الوطني في أثناء حرب فيتنام‏,‏ كما توجد ثغرة غامضة في سجله العسكري‏,‏ ومع ذلك فهو يطعن في وطنية رجال خاطروا بحياتهم وخاضوا بأنفسهم الحرب‏.‏


وعندما كان كثيرون يتساءلون‏:‏ لماذا يحارب بوش هذا الشرير صدام حسين مع انه لم يهاجم أمريكا في‏11‏ سبتمبر‏,‏ وليست لديه أسلحة دمار شامل؟‏.‏ فإنه كان يلقي علي المعارضين بالاتهام الجاهز لديه بعدم الوطنية‏.‏


وبعد مرور‏15‏ شهرا علي إعلان الرئيس بوش وهو بالزي العسكري انتهاء العمليات العسكرية في العراق‏,‏ فإن أعدادا متزايدة من الأمريكيين يرددون الآن ما أعلنه الجنرال انتوني زيني أمام ضباط المارينز عن الورطة الأمريكية في العراق‏.‏


والمعلق الشهير وليم فاف كتب هو الآخر مقالا قال فيه‏:‏ إن المرشحين للرئاسة في أمريكا يقدمون عادة مفاجأة في شهر أكتوبر ـ قبيل الانتخابات ـ لينشروا الشعور بالخوف في نفوس الناخبين‏,‏ أو لاقتناعهم بأن من مصلحتهم نجاح هذا المرشح أو ذاك‏,‏ وقد تكون مفاجأة لبوش زيادة العنف في الشرق الأوسط‏,‏ ومادامت الحرب في العراق هي الحرب الخطأ‏,‏ فهل سيتم اختيار ميدان آخر للحروب للخروج من هذه الكارثة وشغل الرأي العام الأمريكي بها؟‏.‏ وهل المخرج سيكون إيران وتحميلها مسئولية التطرف الإسلامي ودعم المقاومة في النجف وغيرها من المناطق العراقية؟ وقد عبر عن هذا الاتجاه نورمان بودهوريتز الأب الروحي للمحافظين الجديد حين قال‏:‏ أنا لا أدعو إلي غزو إيران في اللحظة الحالية‏,‏ ولكن سوف تأتي لحظة قريبا جدا ستكون مناسبة لذلك‏!‏


هل تنوب إسرائيل عن أمريكا في القيام بهذه المهمة‏,‏ معلوم انها لن تقوم بها إلا بعد أن تطمئن الي أن بوش مستمر في الرئاسة لأربع سنوات مقبلة‏.‏


وإسرائيل مهدت لذلك حين وزعت كمامات واقية من الإشعاع وكانت بذلك توجه رسالة إلي الرأي العام الأمريكي عن خطر محتمل يهددها من غزو نووي إيراني عليها ليكون ذلك ذريعة لقيامها بعمل استباقي ضد مفاعل بوشهر الإيراني حين تجد الفرصة‏,‏ وإيران مثل العراق‏,‏ دولة إسلامية قوية في الجوار الإسرائيلي‏,‏ وإذا أظهرت حسابات شارون أن إزالة هذا الخطر ممكنة بدون تكلفة عسكرية وسياسية ضخمة فإنه لن يتردد كثيرا مادام سيجد السند الأمريكي‏.‏


هكذا نري تخبط الفكر الأمريكي في هذه المرحلة‏,‏ وتبدو الساحة الأمريكية في حالة فوران قد ينتهي باختيار البديل الصحيح‏,‏ وقد ينتهي إلي العكس‏!‏

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف