فلسفة الإدارة الأمريكية

فلسفة الادارة الامريكية في هذه المرحلة تجسيد للمبدأ الذي أشار اليه الكاتب الامريكي المشهور هنري آدمز وهو‏:‏ أن السياسة العملية تتلخص في تجاهل الحقائق‏,‏ فالادارة الامريكية تطبق هذا المبدأ دائما ولاتفكر في رؤية الحقائق أو الاعتراف بها‏.‏

فالادارة الامريكية تتحدث عن خريطة الطريق لإنشاء الدولة الفلسطينية وتتجاهل مايحدث في الأرض من قتل وتدمير وحصار وصل بالسلطة الفلسطينية الي درجة الشلل السياسي‏,‏ كما وصل بالاقتصاد الفلسطيني إلي درجة الافلاس‏,‏ ومؤسسات الدولة الفلسطينية تنهار‏,‏ بينما الإدارة الامريكية تتحدث عن تصميمها علي تنفيذ خطة بناء الدولة الفلسطينية‏,‏ والسلطة الفلسطينية تعلن كل يوم استعدادها لبدء التفاوض علي الحل النهائي‏,‏ واستعدادها لتنفيذ جميع التزاماتها وفقا لخريطة الطريق مقابل تنفيذ اسرائيل لخطوة واحدة هي وقف العمليات العسكرية التي تحولت الي جرائم حرب يومية‏..‏ ومع ذلك تردد الادارة الامريكية ما تدعيه اسرائيل عن عدم وجود شريك فلسطيني للسلام‏,‏ وتتجاهل الحقيقة وهي انه لايوجد شريك اسرائيلي للسلام‏,‏ وليس علي الارض سوي قادة للغزو والعدوان‏.‏


وامام عيون الادارة الامريكية حالة الضعف علي الجانب الفلسطيني‏,‏ والمقاومة للاحتلال يمكن ان تنتهي فورا اذا انتهي الاحتلال‏,‏ ولكنها تتجاهل هذه الحقيقة وتريد انهاء المقاومة التي تسميها إرهابا دون ان تتوقف الاعتداءات العسكرية علي الفلسطينيين‏,‏ وهي في حقيقتها إرهاب دولة‏.‏

وتشتعل المقاومة للاحتلال في العراق في الشمال والجنوب وفي بغداد ذاتها‏,‏ بينما يعلن وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد ان الهدوء والاستقرار عادا إلي العراق‏(!)‏ وتفرض سلطات الاحتلال حظر التجوال‏,‏ وتقتل عددا من الصحفيين الذين يعملون علي كشف حقيقة ما يجري في العراق‏,‏ وتمنع القناة الفضائية التي تبث مشاهد من القصف الامريكي العنيف للمدن والمساكن واماكن العبادة‏,‏ وتقرر منع صدور الصحف التي تعارض استمرار الاحتلال‏,‏ وتمنع نشر صور الانتهاكات التي يمارسها جنود الاحتلال في انحاء العراق‏,‏ وتعلن أنها نجحت في بناء عراق جديد ديمقراطي وحر‏,‏ وتطالب بقية الدول العربية بتطبيق الديمقراطية واطلاق الحريات وفقا للنموذج العراقي الذي صنعته امريكا‏!‏


والصحافة الامريكية تتحدث عن اخفاق السياسة الامريكية في العراق‏,‏ والفشل في اعادة الاعمار‏,‏ وتتحدث عن قرار الكونجرس بتخصيص‏18‏ مليار دولار لاعادة إعمار ما خربته القوات الامريكية‏,‏ ولكن ما انفق حتي الآن كان من عائدات العراق‏,‏ وتتحدث الادارة الامريكية عن نجاحها في تخليص الشعب العراقي من نظام حكم ديكتاتوري ارتكب جرائم قتل واعتقالات وتعذيب‏,‏ والحقيقة ان شيئا لم يتغير سوي وجوه من يمارسون الديكتاتورية والاعتقالات والتعذيب‏,‏ وتزهو الادارة الامريكية لانها انهت ثلاثة عشر عاما من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها علي العراق‏,‏ بينما يعاني الشعب العراقي نقص الكهرباء والمياه النقية والغذاء والادوية ونصف الموظفين العراقيين فقدوا وظائفهم واصبحوا عاطلين بلا مورد رزق بعد أن كانوا يعملون ويحصلون علي أجور منتظمة‏,‏ فضلا عن تشريد قوات الجيش العراقي ويعاني افرادها البطالة والعجز عن إعالة اسرهم‏.‏

وتتحدث الادارة الامريكية عن ان ثروة العراق عادت الي العراقيين بفضل الغزو‏,‏ بينما تتحدث الصحافة الامريكية عن سيطرة سلطة الاحتلال علي اموال وعائدات بترول العراق‏,‏ وعن عقود حصلت عليها الشركات الامريكية باضعاف القيمة الحقيقية لها‏,‏ ومنذ ايام تحدثت صحيفة واشنطن بوست عن ملياري دولار من عائدات العراق تم منحها لشركات امريكية دون أن تحقق نتائج ملموسة‏.‏


ويتحدث الرئيس الامريكي عن انتقال السلطة الي الحكومة العراقية المؤقتة بينما القرارات تتخذ في واشنطن وتصدر من سلطات الاحتلال‏,‏ وفي افتتاحية هيرالدتريبيون يوم‏10‏ أغسطس الحالي بعنوان إخفاق إعادة إعمار العراق بعض الحقائق الاخري التي لا تتحدث عنها الادارة الامريكية‏.‏

هذا التناقض بين القول والفعل في السياسة الامريكية‏,‏ وهذه الفلسفة القائمة علي تجاهل الحقائق‏,‏ من أهم اسباب كراهية الشعوب العربية للسياسة الامريكية‏,‏ والادارة الامريكية تتساءل لماذا يكرهنا العرب‏,‏ وتتجاهل الاسباب الحقيقية لذلك برغم ان العالم كله يعلمها ويتحدث عنها‏.‏


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف