العدالة الأمريكية

حكم محكمة العدل الدولية بعدم شرعية قيام الحكومة الإسرائيلية ببناء جدار الفصل العنصري‏,‏ وضرورة إزالته وتعويض الفلسطينيين عن الاضرار التي لحقت بهم‏..‏ جاء ليعيد الثقة في أن القانون والقوة الأخلاقية مازال لهما مكان في عالم مابعد‏11‏ سبتمبر‏,‏ وأن العالم لم يتحول بعد إلي غابة‏.‏

فقد أرست الإدارة الامريكية الحالية بعد هجمات‏11‏ سبتمبر مبادئ جديدة وخطيرة في العلاقات الدولية قائمة علي الاستهانة بالقانون والعدالة والحقوق واعتماد سياسة ميكيافيلية‏(‏ انتهازية‏)‏ قائمة علي الاكاذيب‏,‏ كما كشفت تقارير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ‏.‏


واصبحت السياسة الاسرائيلية تكرارا لهذه السياسة الامريكية‏,‏ مما شجع الحكومة الاسرائيلية علي إقامة الجدار الذي يؤدي إلي تحويل المناطق الفلسطينية إلي كانتونات منفصلة هي في حقيقتها سجون يعيش في داخلها مليون فلسطيني‏,‏ وتقطع أوصال‏132‏ قرية‏,‏ ويؤدي الي اغتصاب اراض فلسطينية جديدة‏,‏ وتدمير مبانيها ومزارعها واقامة مستوطنات عليها لتغيير معالمها‏.‏

جاء حكم محكمة العدل الدولية ليعيد إلي العالم الثقة في أن العدالة والضمير الانساني مازال لهما مكان في هذا العالم‏..‏ ولم يكن غريبا أن تستهين حكومة إسرائيل بهذا الحكم لأنها في الاصل حكومة لاتعرف ولاتعترف بمبادئ الشرعية او القانون او الاخلاق‏,‏ ولكن كان الغريب حقا هو موقف الادارة الامريكية برفضها للحكم وإهانتها للمحكمة‏,‏ وهي الجهة القضائية المنبثقة من الأمم المتحدة‏,‏ والتي درج العالم علي احترام قراراتها والالتزام بها‏,‏ ولهذا فإن موقف الإدارة الامريكية يعتبر سابقة خطيرة‏,‏ خاصة بعد موقفها قبل حرب العراق من الاستهانة بالشرعية الدولية وبالأمم المتحدة‏,‏ مما يهدد النظام العالمي بخطر حقيقي‏.‏


وكان العرب يأملون ان تتخذ الإدارة الأمريكية موقفا اقرب الي روح العدالة واحترام القانون‏,‏ وتضغط علي الحكومة الاسرائيلية ـ كما تضغط علي حكومات اخري كثيرة ـ لكي ترفع الحواجز والاسلاك الشائكة والمتاريس التي تعوق تحرك الفلسطينيين داخل أراضيهم في الضفة الغربية‏,‏ كان العرب يأملون أن تكون الولايات المتحدة قوة من اجل الحرية للشعوب المضطهدة واولها الشعب الفلسطيني‏,‏ وتوقف العذاب اليومي الذي يعيشه هذا الشعب بعد أن تدهورت معيشته وأصبح‏60%‏ منه تحت خط الفقر‏,‏ بالاضافة إلي مافعلته حكومة اسرائيل من تدمير المرافق الاساسية والبيوت‏.‏

من الصعب أن يصدق العرب ان الولايات المتحدة التي تدعو غيرها الي احترام حقوق الانسان لاتلتزم هي باحترام حقوق الانسان‏,‏ وتهدد باستخدام الفيتو ضد أي قرار لمجلس الأمن يتعلق بتنفيذ حكم محكمة العدل الدولية‏,‏ وسوف يسجل التاريخ للعدالة الامريكية ان القاضي الوحيد في محكمة العدل الدولية الذي لم يوافق علي الحكم كان القاضي الامريكي‏,‏ مما يثير الشكوك حول تأثر ضمير القضاء الامريكي بالاعتبارات السياسية‏,‏ وان العدالة الامريكية ليست معصوبة العينين‏.‏


وفي مقال كتبه مروان بشارة الاستاذ بالجامعة الامريكية بباريس في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية حذر من أن هذا الموقف الامريكي سوف يزيد غضب من تبقي لأمريكا من اصدقاء‏,‏ وسوف يلقي علي الولايات المتحدة المسئولية الاخلاقية عن تصعيد العنف في الاراضي الفلسطينية المحتلة‏,‏ وتزايد الضحايا الفلسطينيين‏,‏ بل إن الولايات المتحدة ستكون السبب في الإضرار بمصالح اسرائيل علي المدي الطويل بمساعدتها لشارون علي أن يجعل الاحتلال يتحول الي سياسة معتمدة للتمييز العنصري‏.‏

هذا السور سيؤدي إلي ايجاد مجتمعين منفصلين‏,‏ مجتمع المستوطنين الذين يتمتعون بالحرية والخدمات والمرافق والمدارس والمستشفيات الراقية ويعيشون في مستوي معيشة مرتفع‏,‏ وعلي الجانب الآخر من الجدار مجتمع مغلوب علي أمره‏,‏ محروم من الحرية ومن حقوق الانسان‏,‏ ومن الخدمات وضروريات الحياة‏..‏ ومهما قال الاسرائيليون من أن هذا الجدار ليس له هدف سوي حماية أمن المستوطنين‏,‏ وانه لايمثل حدودا سياسية فسوف تثبت الايام كذب هذا الادعاء‏,‏ وستقول اسرائيل بعد مرور سنوات ان الجدار هو حدودها‏,‏ وان المستوطنين الذين اغتصبوا الاراضي الفلسطينية أصبحت لهم حقوق الملكيةبحكم الامر الواقع وبقانون القوة‏,‏ وهذا بالضبط ما قاله بنيامين نيتانياهو في مقال في هيرالدتريبيون الامريكية‏.‏


ومع ذلك فان العرب مازال لديهم أمل في أن تعود الصحوة الي العدالة الامريكية وتعلن ان علي اسرائيل ان تتراجع عن اغتصاب الاراضي‏,‏ وتقيم الجدار اذا أرادت ـ داخل الخط الأخضر علي ارض إسرائيل وليس علي ارض الفلسطينيين‏,‏ إن كان الجدار من اجل الامن حقيقة‏.


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف