لحظة الحقيقة
يبدو أن العدد يتزايد بين الأمريكيين الذين بدأوا يفيقون من حالة التنويم المغناطيسي الجماعي التي نجحت الإدارة الأمريكية في نشرها بين الشعب الأمريكي منذ أحداث11 سبتمبر, واستغلت الفرصة لتنفيذ مخطط لغسيل المخ, والحرب النفسية جعلت الأمريكي يعيش في حالة خوف.. بل في حالة رعب. وبالتالي أصبح يتقبل كل الإجراءات القمعية التي تتخذها الحكومة الأمريكية في الداخل والخارج!.
يبدو أن كثيرين أفاقوا من تأثير المخدر الجماعي الذي أصاب الكتاب والشعب الأمريكي, وجعلهم يتخوفون من كل عربي وكل مسلم علي أنه إرهابي, ويتقبلون قتل العرب والمسلمين في أي مكان في العالم, مصدقين ادعاء الحكومة الأمريكية بأن ذلك هو السبيل الأمثل للحفاظ علي الأمن القومي الأمريكي وعلي سلامة أرواح الأمريكيين في بلادهم.
حتي توماس فريدمان الذي كان يتغني كل يوم بحكمة الرئيس بوش وصواب كل ما يقوم به من قمع للحريات في الداخل وغزو عسكري في العراق وافغانستان ويردد مطالبته للرئيس بوش بالمزيد من اجراءات القمع والحروب, عاد اخيرا ليعترف بأن كل ذلك لم يكن سوي أكاذيب. وكتب في مقال أخير في نيويورك تايمز بعنوان البحث عن المسئولين عن اسلحة الدمار الشامل يقول: احيانا لا أعرف هل أضحك أو أبكي, وفي الاسبوع الماضي أعلن أن مكتب التحقيقات الفيدرالية أصدر تحذيرا من مفجرين انتحاريين يمكن أن يقوموا بعمليات إرهابية داخل امريكا, وكانت التعليمات للبوليس بمراقبة الأشخاص الذين يرتدون معاطف في حر الصيف الأمريكي, الذين تظهر أسلاك من ملابسهم, أو تنبعث منهم رائحة مواد كيماوية.
وأخيرا يعترف توماس فريد مان بما كان يعاند في الاعتراف به, فيقول إن سبعة وثلاثين عاما من الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية جعلت الفلسطينيين يفقدون عقولهم, إلي درجة أن أعدادا كبيرة منهم تقدمت للتطوع بأرواحهم للقيام بمهمات انتحارية, ورغم أن الاحتلال الأمريكي للعراق لم يمض عليه سوي عام فإن العمليات الانتحارية تزداد ضد القوات الأمريكية. من يأتي بهؤلاء,؟ وكيف يتم تدريبهم وإعدادهم لهذه المهام؟. يري البعض أنهم قتلة مستوردون وهم من نتاج عناصر في الثقافة الاسلامية, وتحت سيطرة مدربة من تنظيم القاعدة وأمثالها, لكن الحقيقة غير ذلك, فهم ليسوا سوي شباب غاضب, فقد الأمل في المستقبل, ويري أن الموت هو إجازة أبدية من الحياة البائسة التي يحياها, ووجودهم دليل علي فشل امريكا في العراق, وفشلها في إعداد قوات أمن عراقية موالية للاحتلال, وعلي ذلك فلا مناص من تسليم السلطة للعراقيين, وهم أقدر علي معرفة ما يحقق مصلحة بلدهم.
وأكثر من ذلك كتب توماس فريد مان مقالا آخر بعنوان السياسة والأخلاق ـ تساءل فيه: هل أمامنا ـ نحن الأمريكيين ـ أية فرصة للنجاح في تغيير نظام الحكم في العراق دون تغيير نظام الحكم هنا في وطننا؟ ويجيب: لقد كان خطأ مني أن اعتقد أن فريق بوش كان يؤمن بالقضية الأخلاقية التي كان يدعي أنها الدافع للحرب في العراق, لكن الإدارة الأمريكية لم تتصرف في العراق بالطريقة الصحيحة, ابتداء من تخطيط الغزو إلي تحديد حجم القوات, إلي التلكؤ في إقالة وزير الدفاع بعد أن ثبت عدم كفاءته, وكان ذلك أهم واجبات رئيس الدولة, لكنني كنت مخطئا, فإن فريق بوش لا يعرف سوي هدف واحد ونتيجة واحدة لتصحيح الأمور في العراق وغيره, وذلك هو الفوز في الانتخابات واستمرار ممالأة التيار المحافظ لضمان الفوز..
* ويقول توماس فريد مان: أعترف بأنني كنت مخطئا!
* وإن كان قد كتب أكاذيب كثيرة وروج لأفكار مضللة, فإن العودة إلي الحق ـ في النهاية ـ خير من التمادي في الباطل.
* فمتي يعود الجميع إلي الحق؟!