الجانب الآخر لأمريكا
كانت بشاعة الصورة التي نشرت عما يحدث للعراقيين في السجون علي ايدي قوات الاحتلال الأمريكي.. مفاجأة مذهلة, لأن أحدا لم يكن يتصور أن الحضارة الأمريكية, والقيم الأمريكية, والديمقراطية الأمريكية, والاخلاقيات الأمريكية يمكن أن تفرز كل هذه الأعمال الهمجية.
لكن صحيفة هيرالد تريبيون قالت في افتتاحيتها يوم18 مايو الحالي مامعناه: إن ماحدث ليس مفاجأة, وليس شيئا غريبا, ولكنه الوجه الآخر لأمريكا الذي لايعرفه كثيرون في العالم, أو لا يريدون أن يعرفوه.
قالت هيرالد تريبيون تحت عنوان الجانب المظلم لأمريكا: إن الصور المقززة للعسكريين الأمريكيين وهم يمارسون إذلال المسجونين العراقيين تثير تساؤلات حول معايير السلوك والمعاملة في النظام الأمريكي داخل وخارج أمريكا, فقد زاد عدد المسجونين في داخل أمريكا عشرة أضعاف ما كان عليه عددهم منذ ثلاثين عاما, وتعتبر الولايات المتحدة الدولة الأولي في نسبة المسجونين الي عدد السكان, فالمعدل في السجون الأمريكية ثمانية أضعاف معدل المسجونين في فرنسا وستة أضعاف معدل كندا, وقد كشف فوكس بيترفيلد في صحيفة نيويورك الأمريكية أن ما حدث في سجون العراق هو ما يحدث في سجون أمريكا, ومن الممكن التقاط صور في السجون الأمريكية لمسجونين عراة يتعرضون للامتهان والإذلال الجسدي والنفسي.. حتي لم تعد الإهانات علي أيدي حراس السجون مما يقلق المسجونين الأمريكيين.
وقالت هيرالد تريبيون: إن في سجون أمريكا12 مليون سجين, والاغتصاب من الأمور المعتادة, والمخدرات داخل السجون تتسرب عن طريق موظفي وحراس السجون أنفسهم, وتنتقل عدوي الإيدز وفيروس الكبد الوبائي بين المسجونين نتيجة تداول حقن المخدرات وانتقالا من شخص لآخر, ولم تعد بعض السجون تجري الفحوص والتحاليل لعزل المصابين بهذه الأمراض المعدية وذلك لكي تتهرب من معالجة الأعداد الكبيرة المصابة, وهذا يعني أن هؤلاء سينشرون العدوي بعد الإفراج عنهم.
وقالت: من الصعب تحديد عدد المسجونين الذين يتعرضون للإساءة أو يتركون دون علاج, لأن نظام السجون الأمريكية لا يسمح بكشف ما يجري داخلها, ويصعب تحديد المسئولية في متاهات المؤسسات الفيدرالية, والحكومية, والمحلية, بعكس باقي السجون في دول أوروبا حيث توجد لجان مستقلة للإشراف علي السجون, تسمي لجنة منع التعذيب ويرجع إنشاء هذه اللجان إلي عام1987 وهي تشرف علي السجون, واصلاحيات الأحداث, ومستشفيات الأمراض العقلية, وأماكن الحبس في مراكز الشرطة, وتكشف علي الفور أي انتهاكات لحقوق الإنسان كما تكتشف الأمراض التي يصاب بها المسجون, وقد تأخر تنفيذ مثل هذا النظام في أمريكا حتي العام الماضي حيث وافق الكونجرس علي قانون يمنع الاغتصاب في السجون ويكلف وزير العدل بإعداد تقارير عن حالات الاغتصاب التي تحدث, ووضع آلية للتعامل معها, لكن المسئولين عن السجون يقللون من أهمية مشكلة الاغتصاب رغم تقرير منظمة العفو الدولية الذي أكد انتشار حالات الاغتصاب في السجون وتغاضي المسئولين عنها. ولا توجد أية رعاية لنزلاء السجون المصابين بالأمراض النفسية, وقد كشفت دراسة حديثة عن أن ربع نزلاء السجون الأمريكية خضعوا لإجراءات تأديبية أو تم حبسهم في زنزانات ضيقة لمدة23 ساعة يوميا حيث لا يمكنهم الحركة بينما هم يعانون من أمراض عقلية, وساءت اعراض المرض نتيجة الحبس الانفرادي وحاول نصفهم الانتحار, وعندما تنتهي فترة العقوبة يتم القاؤهم في الشوارع!
هذا ما يحدث في أمريكا للمسجونين الأمريكيين فكيف نتصور أن يكون نظام العمل في السجون الأمريكية للعراقيين والأفغان؟
ويقول لوك سانتي الأستاذ بكلية بارد: إن الصور من سجن أبو غريب يبدو فيها العسكريون الأمريكيون وكأنهم يلتقطون صورا تذكارية بجوار حيوانات غريبة, والمدهش أن يشيروا بعلامات النصر أمام كومة من المسجونين العرايا المكدسين فوق بعضهم.. إن هذه الصور تكشف عن الجانب الآخر من شخصية هؤلاء.. جانب الشعور بالانتصار في موقف كان يجب أن يشعروا فيه بالخجل.. جانب الشعور, بالنشوة لمجرد توقيع الإيذاء والألم بالبشر.. ويقول: وتذكرت صور الزنوج وهم معلقون علي المشانق أو يتم حرقهم وهم أحياء.. وكان ذلك في العقود الأربعة الأولي من القرن العشرين!