ليست نهاية المطاف
لانهزاميون في العالم العربي سارعوا الي اعتبار وعود الرئيس بوش لشارون نهاية المطاف, وكأن الرئيس الأمريكي لديه سلطة إلهية يقرر بها مصائر الدول والشعوب, وهذا غير صحيح علي الاطلاق, ولأسباب متعددة.
أولا: يجب أن ننظر الي وعود الرئيس الأمريكي لإسرائيل بمنحها أجزاء من الضفة الغربية, وعدم العودة الي حدود1967, وعدم عودة اللاجئين إلي دياهم طبقا للقرار194, وإغفال قضية القدس.. يجب النظر الي هذه الوعود في حجمها الحقيقي, فهي لا تعبر إلا عن واحدة من شطحات الرئيس الأمريكي, ليست لها شرعية, أو حجية, أو قوة إلزام, هي وعود من غير مختص او مفوض باصدار الحكم النهائي, ولكنه طرف أساسي مدعو ليكون وسيطا نزيها بين الفلسطينيين والإسرائيليين, ويساعد علي التوصل إلي تسوية تضمن الحقوق والعدل.
وعلي ذلك فليس هناك ما يدعو الي تصور أن الحكم قد صدر وقضي الأمر, لأن ذلك لا يصدر إلا من المتخاذلين الداعين إلي التسرع في الاستسلام وقبول الهزيمة. وقد عرفنا هؤلاء ولم نعد نستمع إليهم.
ثانيا: إن هذا الموقف لا يمكن فهمه بأبعاده وحجمه الحقيقي إلا في ضوء الظروف الضاغطة علي الرئيس الأمريكي نتيجة فشل سياساته الخارجية والداخلية, وتلويح اللوبي اليهودي بإمكان فتح ملفات الفضائح والفساد والتهرب من الخدمة العسكرية وعدم التحرك بما تفرضه المسئولية لتفادي هجمات11 سبتمبر, وملفات أخري كثيرة يمكن أن تطيح بالرئيس الأمريكي في الانتخابات التي اقتربت, وفي الوقت نفسه فإن الارتماء في أحضان إسرائيل قد يجعل اللوبي اليهودي في أمريكا يلقي اليه بطوق النجاة.
فهي اذن مناورات سياسية ووعود انتخابية لا أكثر.
ثالثا: إن تصرفات الإدارة الأمريكية الحالية تتسم بعدم المشروعية, وتوصف في أمريكا وأوروبا بأنها تصرفات غير أخلاقية, وغير قانونية, والوعود الأمريكية لإسرائيل ليست سوي حلقة من هذه السلسلة, لم يؤيدها أحد في العالم, ورفضتها دول أوروبا, والأمين العام للأمم المتحدة.
رابعا: إن القضية الفلسطينية ـ بعد قبول الحل وفقا لخريطة الطريق ـ لها ثلاثة أطراف. الطرف الأول هو الرباعية( أمريكا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا), والطرف الثاني هم الفلسطينيون, والطرف الثالث هم الإسرائيليون, وليس لطرف واحد, أو اثنين أن يحددا التسوية النهائية بقرار منفرد بمعزل عن الطرفين الآخرين, وضد إرادة الطرف الأصيل في الصراع وهم الفلسطينيون, وما تعلنه أمريكا إنما يعبر عن رأيها, وهو مجرد رأي غير ملزم للطرف الآخر إذا لم يقبله, وإعلان الرأي علي هذا النحو تجاوز للاختصاص, واغتصاب لحق صاحب القضية.
خامسا: إن العرب أخطأوا عندما أقاموا حساباتهم علي أن أمريكا يمكن أن تكون الوسيط النزيه, أو الحكم العادل, أو انها يمكن ان تسعي الي توازن المصالح والحقوق بين الإسرائيليين والفلسطينيين, بينما الخلل في الميزان الأمريكي معروف. وأخطأ العرب أيضا عندما تصوروا أن99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا وكأنهم أرادوا الإعلان بأنهم لم تعد في أيديهم أوراق, وأنهم فوضوا أمرهم لأمريكا تفعل بهم ما تشاء, وبذلك اعطوا الفرصة لإرهاب الدولة الإسرائيلية ليمارس العربدة والاغتصاب.
بينما العرب لديهم أوراق ليست قليلة, وقادرون علي الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم, وعلي الأقل فإنهم قادرون علي اتخاذ موقف حازم واضح يرفض الموقف الأمريكي ـ الإسرائيلي الظالم القائم علي غطرسة القوة وتجاهل الشرعية. هذا إذا تجاوزوا خلافاتهم وهي ثغرة في الصفوف سمحت لإسرائيل وأمريكا بالنفاذ منها. والشعوب العربية تنتظر موقف القادة العرب في قمة تونس. مع ملاحظة أن الصراع طويل, ومازالت أمام العرب الفرصة للتحرك دون استسلام وما لا يتحقق اليوم سوف يتحقق غدا, وليس صحيحا أن العرب أمة الفرص الضائعة, فإن الفرص الحقيقية لم تأت بعد!