أحلام الفرصة الأخيرة
لحلم العربي الذي طال انتظار تحقيقه هو الوصول إلي اتفاق بين الدول العربية كلها ــ أو معظمها ــ علي تنفيذ مشروع للتكامل او الوحدة الاقتصادية لتحقيق المصالح المشتركة والخروج من حالة التخلف والتبعية الاقتصادية, هذا الحلم ينتظر القمة العربية القادمة وهي علي وشك الانعقاد.
علي المستوي النظري فإن التصريحات اليومية الصادرة من جميع العواصم العربية دون استثناء تؤكد وتكرر الايمان بضرورة تنمية التجارة والاستثمار بين الدول العربية, وتنمية دور القطاع الخاص العربي, وتقوية الاقتصاد العربي في عمومه, لانه القوة الحقيقية للعرب, وتتكرر التصريحات واللقاءات عن استكمال اطار اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبري, وعن ازالة العوائق التي تفصل بين الدول العربية, وعن تقديم الدعم والمساندة للبلاد العربية الأقل نموا, بل إن التصريحات واللقاءات تمضي الي ماهو ابعد من ذلك, فتتحدث عن اقامة اتحاد جمركي عربي, واقامة السوق العربية المشتركة, والحماية المتبادلة للاستثمارات, وحرية انتقال السلع والخدمات وعناصر الانتاج بين الدول العربية.
كلام كثير, وتصريحات, وتمنيات, تغذي الحلم العربي, وتوهم بأن ذلك كله علي وشك أن يتحقق, خاصة والجميع يتحدثون عن النموذج الناجح للسوق الاوروبية المشتركة التي كانت البداية لتحقيق الوحدة الاوروبية واصبحت نموذجا لتجمع دول بينها اختلافات جوهرية لغوية وعرقية وعقائدية ولكن جمعتها المصالح وظروف عالم لايرحم الصغار والضعفاء ولامكان فيه إلا للاقوياء فقط, والتجمعات الاقليمية هي السبيل الوحيد للقوة في هذا العصر.
علي المستوي النظري الكلام كثير, ولكن علي المستوي العملي فان التنفيذ علي أرض الواقع اقل كثيرا جدا مما يجب, والاجتماعات تعقد وتنفض, والاوراق والمشروعات يتم اعدادها في زمن طويل يضيع في البحث والجدل, ثم لاشيء بعد ذلك.
وموضوع تعزيز العمل العربي المشترك علي جدول اعمال كل قمة عربية, وكل اجتماع لوزراء الاقتصاد والمالية والمسئولين عن الاستثمار والتجارة في الدول العربية, وبعد عشرات السنين من الاجتماعات والمناقشات لم يتحقق الكثير, حتي ان المثل الذي يقول اسمع ضجيجا ولا أري طحناينطبق تماما علي لقاءات اعداد مشروعات العمل الاقتصادي العربي المشترك.
ومع ذلك فلايزال الأمل قائما في أن يصل القادة العرب في قمة تونس الي خطوة عملية جادة علي هذا الطريق, وأمامهم مشروعات قتلت بحثا علي مدي السنوات الماضية منها اقامة الاتحاد الجمركي بين الدول العربية, وبرنامج تنفيذي للتبادل التجاري, والتعريفة الجمركية الموحدة لضمان انتقال السلع بين الدول العربية دون قيود جمركية ومعاملتها معاملة السلع الوطنية, بل ان الاوراق المطروحة علي القمة هذه المرة تشمل اقامة السوق العربية المشتركة بحلول عام2020 بعد اتمام مراحل اقامة الاتحاد الجمركي2015. وفي الاوراق ايضا مشروع لتحقيق التنسيق في السياسات الاقتصادية وخطط التنمية وتبادل المعلومات الخاصة بالسياسات المالية والنقدية والمصرفية, والتشاور لبلورة مواقف عربية جماعية تجاه الدول والتجمعات الاقليمية الأخري والمنظمات الدولية, والسير بخطوات متدرجة إلي أن تصبح الدول العربية قادرة علي التفاوض مع الدول الأجنبية برأي واحد تمهيدا لقيام الدول العربية بعقد اتفاقيات اقتصادية جماعية مع أهم شركائها التجاريين بدلا من الاتفاقات التي تعقدها كل دولة عربية وحدها بشروط قد تكون مجحفة.
افكار كثيرة جاهزة تنتظر القرار السياسي, والارادة السياسية, والبدء في التنفيذ. وإن كانت هناك دول عربية بدأت فعلا في تنفيذ خطوات للتعاون او اقامة مناطق حرة, فان ذلك يستحق الاشادة, ولكنه لايحقق الحلم, والغريب ان نجد علي الجانب الآخر دولا عربية تمنح مزايا لدول او تجمعات غير عربية اكبر من المزايا التي تمنحها للدول العربية, وبعض الدول العربية لاتمنح اية مزايا للدول العربية وتمنحها بسخاء كبير للدول الاجنبية. والاموال العربية التي تستثمر في خارج المنطقة العربية بمئات المليارات لو استثمر جزء منها في الدول العربية لتغيرت الأحوال.
الحلم العربي كبير, وهو حلم ممكن وليس مستحيلا, فقط يحتاج الي الارادة, فهل سنجدها في القمة القادمة, واذا لم نجدها هذه المرة فلن نجدها بعد ذلك ابدا, لان الظروف الدولية الحالية والقادمة لن تعطينا الفرصة لذلك.