أين الأسلحة؟

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريرا اعده بارتون جيلمان عن نتائج بحثه لموضوع أسلحة الدمار الشامل في العراق‏,‏ وتوصل من البحث إلي أن البرنامج الخاص بانتاج هذه الاسلحة لم يتجاوز مرحلة التفكير والتمني‏,‏ وأن المحاولة لانتاج هذه الاسلحة لم تكن قد بدأت بسبب الصراعات الداخلية‏,‏ والعقوبات الاقتصادية‏,‏ والحظر الذي كان مفروضا علي توريد أسلحة ومعدات ومواد كيماوية للعراق لاكثر من عشر سنوات‏,‏ كما تبين أن برنامج إنتاج صواريخ ذات المدي الذي يصل إلي إسرائيل التي كان المسئولون في الولايات المتحدة وإسرائيل يتحدثون عن خطورتها وتهديدها لإسرائيل‏,‏ لم يكن لها وجود علي الإطلاق‏,‏ وكل ما كان لدي العراق تصميمات ومعادلات رياضية وعمليات حسابية مسجلة علي اسطوانتين للكمبيوتر‏,‏ وانتهي الخبراء الامريكيون بعد دراستها إلي أن العراق لو كان قد بدأ العمل في تنفيذها‏,‏ ولو كانت لديه الامكانات لذلك فلم يكن ممكنا ان ينتجها قبل ست سنوات علي الاقل‏,‏ وهذا الافتراض ايضا مستبعد لانه لم تتوافر الامكانات للعراق‏,‏ كما اكتشف فريق البحث الامريكي أن العراق كانت لديه خطط لانشاء معمل للهندسة الوراثية‏,‏ ولكن هذا المعمل ظل مجرد مشروع‏,‏ وكان المأمول في حالة انشائه أن يتمكن من إنتاج أسلحة جرثومية بعد ذلك‏,‏ والأهم من ذلك أن فريق البحث الأمريكي عثر علي مذكرة داخلية كان احد كبار المسئولين عن هذا البرنامج الوهمي للاسلحة غير التقليدية قد رفعها في عام‏1995‏ إلي احد ابني صدام حسين يبلغه فيها بأنه تم في عام‏1991‏ تدمير مخزون العراق من المواد الخاصة بالأسلحة البيولوجية‏,‏ مما يؤكد خطأ تقديرات المخابرات الامريكية و‏(‏تأكيدها‏)‏ أن العراق يمتلك كميات كبيرة من المواد الجرثومية‏,‏ وبناء علي هذه المعلومات ألقي كولن باول بيانه الشهير في مجلس الأمن الذي اكد فيه رسميا أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل بكميات تهدد السلام والأمن في العالم‏,‏ وعرض في هذه الجلسة صورا لبعض الشاحنات قال إنها معامل متنقلة لإنتاج هذه الأسلحة‏!‏


ومنذ أيام صدر تقرير آخر عن مؤسسة كارينجي الأمريكية للسلام يقول إن اقوي اجهزة المخابرات في العالم‏,‏ وهي المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية فشلت في تقديم معلومات دقيقة عن العراق‏,‏ وكانت قاسية في ادانة العراق في تقاريرها التي اتسمت بالمبالغة المتعمدة‏,‏ وطالبت باجراء تحقيق كامل عن مسئولية المخابرات الأمريكية‏,‏ وتحديد المسئولين عن هذه المعلومات التي أدت إلي إشعال حرب بغير مبرر حقيقي‏..‏ خاصة وقد افاد فريق البحث الأمريكي بأنهم لا يتوقعون العثور علي هذه الأسلحة التي أكدت تقارير المخابرات وجودها‏.‏

وقد علقت صحيفة هيرالد تريبيون علي كل ذلك في افتتاحيتها يوم‏12‏ يناير الحالي بضرورة اجراء تحقيق مستقل وغير حزبي‏,‏ عن الضغوط السياسية التي مارستها الإدارة الأمريكية والكونجرس للتوصل إلي إدانة العراق واقناع الرأي العام بخطورته بناء علي معلومات غير صحيحة أدت إلي نتائج مفجعة بهذه الدرجة‏,‏ كما علقت هيرالدتريبلون علي ذلك بأن المبرر الذي ادعته إدارة بوش لغزو العراق‏,‏ واثارتها مخاوف الشعب الأمريكي من أسلحة صدام حسين‏,‏ لم يكن لها أساس‏,‏ وبعد تسعة أشهر من التنقيب عن هذه الأسلحة والتفتيش في سجلات ووثائق الرئاسة ووزارة الدفاع والمخابرات العراقية لم يصل أحد إلي أي نتيجة أو دليل‏,‏ وقد صدرت الأسبوع الماضي ثلاثة تقارير جديدة تلقي مزيدا من الشك حول اندفاع الإدارة الأمريكية والتهور الذي اتسمت به في اتخاذ قرار غزو العراق‏,‏ وهذه التقارير ترسم صورة مختلفة تماما عن الصورة التي قدمتها الإدارة الأمريكية في بداية العام الماضي علي ان العراق يمثل قوة عسكرية خطيرة علي المستوي الدولي بينما كانت هذه القوة في الحقيقة غير موجودة‏.‏


وقالت هيرالد تريبيون ايضا ـ وهي الصحيفة التي اسقطت الرئيس الاسبق نيكسون ــ إن التقارير الأخيرة تقوي الاعتقاد بأن التهديد العراقي يمثل تهديدا لأمريكا وللعالم لم يكن تهديدا وشيكا أو خطيرا يتطلب غزو العراق بهذا التسرع‏,‏ ودون مساندة دولية‏.‏

وكل ذلك يعكس اتجاها جديدا وتحولا في الرأي العام الأمريكي قد يزداد في الأشهر المقبلة مع تزايد حرارة الحملة الانتخابية للرئاسة‏,‏ وقد يكون لهذا الاتجاه تأثير في نتائج هذه الانتخابات‏,‏ والمثل يقول‏:‏ انك تستطيع أن تكذب علي بعض الناس كل الوقت‏,‏ وتستطيع ان تكذب علي كل الناس بعض الوقت‏,‏ ولكنك لا تستطيع ان تكذب علي كل الناس كل الوقت‏!


 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف