فى عام الانتخابات الأمريكية

لا يشغل الإدارة الأمريكية شيء غير انتخابات الرئاسة في الخريف المقبل‏.‏ وخلال الأشهر المقبلة ستكون التصريحات والمواقف الأمريكية موجهة لدعم الرئيس بوش للفوز بفترة رئاسة ثانية‏.‏


وفي هذا السياق‏,‏ حصل الرئيس بوش علي أكثر من هدية جعلته يبدو في نظر قطاع من الأمريكيين في صورة الأمريكي القوي الذي لا يخشي شيئا‏,‏ ولا يقف شيء في طريقه‏..‏ كانت الهدية الأولي سقوط بغداد دون قتال تقريبا‏..‏ والهدية الثانية كانت القبض علي صدام حسين والإخراج السينمائي الذي ظهر به علي شاشات التليفزيون‏..‏ والهدية الثالثة كانت في قبول إيران للضغوط الأمريكية والتوقيع علي اتفاقية التفتيش علي المفاعلات النووية‏..‏ أما الهدية الرابعة فكانت في مبادرة العقيد القذافي‏,‏ بفتح الأبواب أمام فرق التفتيش الدولية والأمريكية للتأكد من عدم وجود قدرات نووية أو أسلحة دمار شامل‏.‏


والآن‏,‏ فإن ثلث قوات الجيش الأمريكي موجود في ظروف صعبة في العراق‏,‏ ويفكر الرئيس بوش في إعادة أعداد كبيرة من الجنود إلي الوطن قبل الانتخابات‏,‏ وفي ضوء حجم وخطورة المقاومة العراقية سوف يقرر استبدال القوات بقوات جديدة أو تقليص حجم القوات في العراق‏,‏ وتلمح الصحافة الأمريكية إلي أن هناك وجهتي نظر‏,‏ فالبيت الأبيض يرغب في إعادة أكبر عدد من الجنود دون بديل لتكون تلك ورقة في الحملة الانتخابية‏,‏ بينما يريد البنتاجون الإبقاء علي عدد القوات كما هو في حدود‏130‏ ألفا‏,‏ لأن تقديرات البنتاجون أن المقاومة العراقية لن تتوقف‏,‏ وقد تزداد‏,‏ وربما يمكن الوصول إلي حل وسط يتمثل في تغيير السياسة الأمريكية التي بدأت بازدراء الحلفاء والمؤسسات الدولية بالعودة إلي طلب المساعدة من الأمم المتحدة ومن الدول الصديقة والحليفة لتخفيف الأعباء العسكرية والمالية عن أمريكا‏.‏ والتي لم تعد قادرة علي الاستمرار في تحملها مع تراجع الاقتصاد الامريكي


وفي الوقت نفسه‏,‏ فإن واضعي الاستراتيجية الأمريكية يتوقعون زيادة الهجمات علي القوات الأمريكية عند بدء عملية ترحيل أو تغيير القوات‏,‏ ويقدرون أن مواجهة المقاومة سوف تحتاج إلي مائة ألف جندي علي الأقل‏,‏ وإذا كانت ظروف الحملة الانتخابية تفرض تقليل عدد القوات فلابد من وجود قوات بديلة من حلف الناتو والدول الأخري‏,‏ لتعويض هذا النقص‏,‏ وإلا فستكون القوات الأمريكية في وضع أكثر خطورة عما هو الآن بكثير‏.‏ وفي الوقت نفسه‏,‏ فإن الاعتماد علي جيش او شرطة من العراقيين لحماية قوات الاحتلال لابد أن يؤخذ بحذر‏,‏ خاصة أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحدد بدقة من منهم مع المقاومة ومن يرفض الاحتلال‏,‏ ومن هواه مع النظام القديم‏,‏ وفرز العراقيين واحدا واحدا ليس بالأمر السهل‏,‏ واحتمال انقلاب بعض هذه القوات العراقية التي تدربها وتسلحها الولايات المتحدة أمر وارد‏.‏


وبعض الأصوات في أمريكا تقول إن القوات في العراق أصبحت مرهقة‏,‏ فإذا اندلعت أزمة مفاجئة في أي مكان ـ سواء في كوريا الشمالية أو في أفغانستان أو في غيرهما ـ ويجد البنتاجون أنه مضطر للرد عسكريا‏,‏ فلن يكون أمامه سوي تعبئة المزيد من قوات الاحتياط ونقل جزء من القوات الموجودة في العراق والقوات الأمريكية الموجودة في القواعد العسكرية في العالم العربي‏,‏ وكل ذلك سيكون له ثمن علي المدي الطويل‏.‏


والنصيحة التي قدمتها صحيفة هيرالد تريبيون في نهاية عام‏2003‏ ان علي البيت الأبيض أن يدرك حقيقة الدمار الذي ينتج عن النزعة الأحادية للسياسة الأمريكية‏,‏ وأن يغير مساره قبل أن يصبح من المتعذر تفادي الخطر‏.‏ وكل ذلك من أجل الفوز بفترة رئاسة ثانية‏!

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف