عام 2004 و ما بعده

أطلقت مجلة تايم الأمريكية اسم وزير الحرب علي دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي‏,‏ وقالت إنه يبدو دائما متحمسا للحرب وللقتال منذ دخل البنتاجون للمرة الثانية عام‏2001‏ في إدارة الرئيس بوش‏,‏ وإنه لن يعدم سببا للحرب خاصة بعد‏11‏ سبتمبر التي جعلت أمن أمريكا سببا كافيا للحرب في أي مكان‏.‏

ورامسفيلد هو أولا‏:‏ أكبر مؤسس لنظرية الحرب الاستباقية أو الوقائية التي تعني حق أمريكا في شن الحرب علي أية دولة أو جماعة ليس ردا علي عدوان‏,‏ ولكن لمجرد وجود شبهات أو ظنون بوجود نيات أو قدرات عدوانية لديها تجاه أمريكا ومصالحها‏.‏ وهو ثانيا‏:‏ صاحب نظرية جديدة في القتال بالاعتماد علي قوات محدودة العدد‏,‏ عالية الكفاءة‏,‏ مسلحة تسليحا قويا وحديثا يمكنها إنجاز مهمتها في أسرع وقت بقوة نيران غير مسبوقة‏,‏ وبأسلحة فائقة القوة‏.‏ وهو ثالثا‏:‏ أول وزير للدفاع في تاريخ أمريكا يجعل سلطة البنتاجون تمتد لتشمل كل الاختصاصات غير العسكرية ابتداء من الحريات المدنية داخل أمريكا‏,‏ إلي السياسة والدبلوماسية والعلاقات الخارجية‏.‏ وهو رابعا‏:‏ الذي أقنع الرئيس بوش بأن الحرب العالمية الجديدة التي تشنها أمريكا علي الإرهاب يجب ألا تكون لها حدود‏,‏ أو أن تقف أمامها اعتبارات الشرعية أو القانون الدولي‏,‏ أو إرادة الحلفاء والأصدقاء‏.‏


تقول تايم إن رامسفيلد يمكن النظر إليه الآن علي أنه رمز للحرب‏,‏ وهذه طبيعته‏,‏ فهو مقاتل ومهاجم طول الوقت‏,‏ وسواء عنده أن يهاجم دولة أو شخصا أو فكرة أو أي شيء آخر‏.‏ ويبدو أنه يحب أن يري كل ما حوله في حالة صراع‏,‏ وأحيانا يشعر من حوله بأنه يحتاج إلي القتال لكي يظل حيا‏.‏

وتقول أيضا إن رامسفيلد هو أول وزير للدفاع في أمريكا يتدخل بهذه الدرجة في العمليات العسكرية‏,‏ ويضع بصمته علي خطط الحرب‏,‏ وقد أدخل تغييرا جوهريا في بناء الجيش الأمريكي بالتوسع في إعداد القوات الخاصة بأكثر مما كان مقررا في خطط البنتاجون قبله‏,‏ وبتدريب القوات علي القتال في جميع الظروف والمواقع سواء علي متن الدبابات أو علي ظهور البغال كما حدث في أفغانستان‏,‏ وجعل دور الطيران في الحرب مركزا جدا ومؤثرا جدا وقصيرا جدا لأيام قليلة بدلا من أن يستمر القصف الجوي عدة أسابيع كما كان يحدث في الحروب السابقة‏.‏


وعندما بدأ رامسفيلد عمله أقنع الرئيس الأمريكي بأن علي أمريكا ألا تتردد في التدخل العسكري في المشكلات عبر البحار‏,‏ وكانت هذه الاستراتيجية عكس استراتيجية كولين باول وزير الخارجية‏,‏ ومصدر قوته أنه كان وزيرا للدفاع قبل ذلك في حكم الرئيس جيرالد فورد عام‏1976,‏ وكانت هذه هي أفكاره الأساسية‏,‏ لكنه لم يستطع أن يحققها كاملة‏,‏ وجاءت الفرصة بعد انفجارات‏11‏ سبتمبر فانتهزها بقوة لإقناع الجميع بأن حرب أمريكا في أنحاء العالم إنما هي ضد الإرهاب واحتمالاته‏.‏

وتتساءل تايم‏:‏ أين رامسفيلد من السلام؟‏.‏ وتجيب بأن مشكلة رامسفيلد أنه لم يدرك أن السلام يحتاج إلي خطط مثل خطط الحرب‏,‏ لذلك فإنه انتصر في الحرب علي العراق‏,‏ لكنه لم يستطع تحقيق السلام فيه بعد النصر‏..‏ وفجأة وجدت القوات العسكرية الأمريكية نفسها ملزمة بالعمل في الشارع وسط الشعب العراقي لحفظ الأمن‏,‏ وحماية البنوك ومحطات الغاز والمنشآت المدنية ومستودعات الأسلحة‏.‏ وكان رامسفيلد مطمئنا إلي أن الشعب العراقي سوف يرحب بالغزو ويفتح ذراعيه لقوات الاحتلال‏,‏ وهو لا يعترف بالأخطاء سواء بقرار تسريح قوات الجيش العراقي وحرمان مئات الآلاف من الشباب العراقي من مصدر رزقهم‏,‏ أو بتعيين جنرال متقاعد حاكما للعراق لتكون إدارة الحياة المدنية في العراق من اختصاص البنتاجون‏,‏ أو بخطته لنقل القواعد العسكرية الأمريكية من أوروبا إلي الشرق في بولندا ورومانيا لتكون أقرب إلي الشرق الأوسط‏,‏ أو حتي بقراره تعيين جنرال متقاعد رئيسا للأركان بعد أن تزايدت حدة انتقاد الجنرالات الكبار لسياسته في البنتاجون‏.‏


رامسفيلد يريد أن يغير العالم بالقوة‏,‏ فهل سيقدر علي تغيير العالم بالقوة أو سيضطره العالم إلي تغيير نظريته؟‏.‏ هذا هو السؤال الذي سيحدد كيف سيكون العالم في عام‏2004‏ وما بعده‏.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف