إذا كان شهر رمضان الكريم هو شهر الاحساس بآلام الفقراء والمظلومين, فإن أكثر الناس احتياجا للرحمة والتعاطف هم السجناء في جوانتانامو.. هم الأحق بنظرة ممن في قلوبهم رحمة وفي ضمائرهم بقايا حرص علي العدل وحقوق الانسان.
كيف يعيش مئات المسلمين في أشد السجون فظـاظة وقسوة في التاريخ؟
الأمريكيون هم الذين يكشفون بعض معاناة هؤلاء الأسري التي استمرت حتي الآن أكثر من عامين بدون إعلان تهمة كل منهم, وبدون تحقيق قانوني, وبدون إذن قضائي, وبدون منحهم حق التظلم أمام أي جهة وهو أبسط حقوق الانسان.
افتتاحية صحيفة هيرالدتريبيون يوم23 أغسطس الماضي كانت بعنوان ظلم في جوانتانامو قالت فيها: إن عدم تقديم هؤلاء المسجونين للمحاكمة أمر غير مقبول, ويجب علي الإدارة الأمريكية أن تستجيب لنداءات الجهات المحترمة في العالم ومنها أصوات مؤسسات وهيئات أمريكية لها احترامها. وإن استمرار اعتقال هؤلاء المسلمين لمجرد الاشتباه في تورطهم في الارهاب غير شرعي, وغير انساني, وغير أخلاقي, وليس واضحا متي سيقدمون للمحاكمة وقد أكدت تقارير منظمات حقوق الانسان أن اعتقالهم تم بناء علي معلومات استخبارية مشكوك في صحتها, مثل المعلومات التي أكدت حصول صدام حسين علي اليورانيوم من النيجر وتم الغزو الأمريكي للعراق بناء علي ذلك وتأكد بعد ذلك أن هذه المعلومات غير صحيحة وأن الادارة الأمريكية كانت تعلم- قبل الغزو- أنها غير صحيحة.
وقالت الصحيفة: إن إجراءات الاعتقال لم تكن قانونية, والادارة الأمريكية تعتزم محاكمتهم أمام محاكم عسكرية, وفي جلسات سرية, ودون السماح لهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم, ومثل هذه المحاكمات إذا تمت فإن صورة أمريكا في العالم ستكون موضع شك, ولن تنمحي من ذاكرة التاريخ. والأكثر من ذلك أن الحكومة الأمريكية تمنع عن هؤلاء المسجونين طرق الوصول إلي الأدلة لإثبات براءتهم, وفي الوقت نفسه فإن الحكومة الأمريكية لم تقدم حتي اليوم أدلة علي إدانتهم. وحتي لو سمح لهم بتوكيل محامين فإن القواعد المتبعة في وزارة الدفاع الأمريكية تسمح لها بمراقبة الاتصالات بين المحامين والمتهمين, كما تسمح بإلزام المحامين بالكشف عن المعلومات التي يحصلون عليها من هؤلاء المتهمين مما يعتبر انتهاكا لسر المهنة وأخلاقياتها. وقد طالبت منظمات حقوق الإنسان الأمريكية الكونجرس بتعديل هذه القواعد خصوصا القاعدة التي تحرم هؤلاء المسجونين من الحق في استئناف الأحكام التي تصدر ضدهم وأن يكون ذلك وفقا لقواعد العدالة.. وبذلك فإن إدارة بوش تمنع عن جميع المسجونين في معتقل جوانتانامو أول حق من حقوق الإنسان, وتمنع منظمات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الانسانية من زيارة هذا المعتقل والاطلاع علي ما يحدث فيه, وهي بذلك تجعل العالم يتشكك في الاتهامات الموجهة إليهم ويتشكك في العدالة الأمريكية ذاتها.
وقبل ذلك خصصت الصحيفة افتتاحيتها يوم4 يونيو الماضي لنفس الموضوع, وقالت: إذا كان اعتقال هؤلاء المسلمين بعد11 سبتمبر إجراء مبررا, فإن استمرار معاملتهم هؤلاء المسجونين بأساليب غير إنسانية سيندم عليه الأمريكيون بعد ذلك, لأنه لايمكن تبرير وضع الاغلال في أيدي وأقدام المسجونين لمدة23 ساعة وفكها ساعة واحدة فقط ثم إعادة الأغلال مرة أخري وهكذا, أو منعهم من مقابلة أحد حتي المحامين, وقد اتم اعتقال أعداد كبيرة غيرهم وثبت أنهم أبرياء من تهمة الارهاب, ولم يفصل مكتب التحقيقات الفيدرالية بين المعتقلين بسبب سوء السلوك, أو بسبب الاقامة غير القانونية, والمعتقلين للاشتباه في الارهاب, وضربت عرض الحائط بالقانون الأمريكي الذي يقضي بإخطار المعتقل بالتهمة الموجهة إليه خلال72 ساعة من اعتقاله.. والأسوأ من ذلك أن أسر المعتقلين لايعرفون أماكنهم بالاضافة إلي الاساءة الجسدية للمعتقلين وتعرضهم للضرب والتخويف, وقد كشف تقرير رسمي عن تدهور الحالة النفسية والعقلية لعدد كبير من هؤلاء المعتقلين. والادارة الأمريكية ترفض الاستماع إلي الأصوات المطالبة بتطبيق مبادئ العدالة عليهم وترفض النقد لأسلوبها في الحرب علي الارهاب, بل إن وزارة العدل أعلنت عزمها علي استمرار هذه الممارسات ورفضت تقديم أي اعتذار عن هذه الانتهاكات, ورفضت أيضا ما جاء في التقرير الحكومي الذي طالب بمعاملة المعتقلين معاملة إنسانية, والافراج عن الابرياء الذين لم تثبت عليهم تهمة تبرر استمرار اعتقالهم, وبالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين فإنهم لايستحقون هذه المعاملة غير القانونية وغير الانسانية.
ومنذ أيام, كتب تشارلز ليفيندوسكي في هيرالد تريبيون أيضا يوم15 أكتوبر الحالي يشير إلي تقرير اصدرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر أثبت تدهور الحالة الصحية والعقلية للمعتقلين بدرجة تدعو للقلق, وأعلن فلوريان وستغال المتحدث باسم اللجنة أن هؤلاء المعتقلين ليست لديهم فكرة عن مصيرهم, وليست لديهم وسيلة للمساعدة بأي طريقة قانونية, وسوف تزداد حالتهم خطورة إذا استمرت أوضاعهم ومعاملتهم علي ما هي عليه منذ أكثر من عامين.. فهم يعانون العزلة والاحباط والاكتئاب, حتي إن32 منهم حاولوا الانتحار, وقد أعلن ريتشارد بوركي المحامي الاسترالي أنه تأكد أن العسكريين الأمريكيين يمارسون عمليات التعذيب لإجبار المعتقلين علي الاعتراف وأنه تأكد من ذلك بعد حصوله علي معلومات من تقارير العسكريين الأمريكيين أنفسهم(!) ومما ذكره المعتقلون الذين أفرج عنهم, حتي إن بعضهم يتم ربطهم إلي أعمدة وإطلاق طلقات مطاطية عليهم, ويتم إجبارهم علي الركوع تحت الشمس ساعات طويلة إلي أن يصلوا إلي الانهيار.
كيف تستريح الضمائر في رمضان, وهؤلاء يتعرضون لكل هذا العذاب والظلم إلي درجة لم تحتملها ضمائر الأمريكيين أنفسهم؟