جاء نجاح الصين في إطلاق رجل فضاء واعادته بعد21 ساعة حدثا له مغزاه في هذا الوقت بالذات, وله دلالات سياسية مهمة تشير إلي اقتراب التغير في موازين القوي العالمية, ويبشر بأن عصر القوة الوحيدة علي وشك أن ينتهي.
كسرت الصين احتكار الفضاء, ولم يعد الفضاء مقصورا علي الولايات المتحدة وروسيا وحدهما وكسرت ايضا احتكار التكنولوجيا البالغة التعقيد, والتي كانت من الاسرار الكبري التي لايمكن السماح لدولة جديدة بالحصول علي شيء منها, وسجلت في التاريخ صعود دولة من دول العالم الثالث إلي مصاف العالم الأول في تكنولوجيا الفضاء برغم الموارد المحدودة نسبيا اذا قورنت بالولايات المتحدة, مما يثبت النظرية الصينية بأن الانسان قادر علي أن يعوض نقص الموارد ونقص الامكانات.. وقد أثار هذا الحدث الخبراءوالمحللون الامريكيون أكثر من غيرهم, ومن ذلك ما كتبته جوان جونسون فريز رئيسة قسم صناعة القرار الخاص بالأمن القومي بالكلية الحربية البحرية الأمريكية, في صحيفة نيويورك تايمز من أن البرنامج الفضائي الصيني برنامج طموح, ويسعي إلي تحقيق انتصارات علمية أخري في هذا المجال لذلك أثار القلق في الولايات المتحدة, ويتساءل الامريكيون: لماذا تسعي الصين إلي تطوير برنامجها في ابحاث علوم الفضاء وارسال انسان إلي الفضاء اعلانا عن تفوقها ومقدرتها, ومعلوم أن الصين أعلنت في عام2000 أن طموحها في الفضاء الخارجي هو جزء من استراتيجية التطوير الشامل للدولة
ولم تعلن أن هذا الطموح سوف يتعدي تطوير الصواريخ التي تنتجها إلي حد ارسال انسان واستعادته بنجاح, وكان ذلك مستبعدا في التفكير الأمريكي لأن مثل هذه الخطوة خطيرة جدا اذ يمكن أن يؤدي فشلها إلي انتكاسة للطموح القومي, وهي عملية مكلفة جدا, والصين تعمل علي تنمية النصف المتخلف منها, وطموحها الظاهر مركز علي كسب مساحة أكبر من الأسواق العالمية ومايقلق الامريكيين أكثر من ذلك مايبدو لهم من ان نشاط الصين في الفضاء مثل حصان طرواده, وقد أثبتوا قدرتهم علي اخفاء برامجهم الفضائية العسكرية ولا أحد يستطيع أن يعرف ماذا وراء الأسوار غير ذلك أو بعد ذلك والبعض يري ان هدف هذا البرنامج تعزيز مركز الصين في المجتمع الدولي, وتعزيز مركز القيادة والحكومة في الداخل,, واستحقاق الصين لمكان بين الدول الكبري علي المستوي الدولي, ولايختلف عن برنامج ابولو الأمريكي الذي كان يهدف إلي الوصول إلي القمر للاعلان عن مدي القوة التي وصلت إليها أمريكا, وكان لذلك مغزاه في سباق الحرب الباردة ضد السوفييت, وكان اعلانا علي المدي الذي وصل اليه التقدم العلمي والتكنولوجي في أمريكا ومدي المهارة والدقة والكفاءة التي يتمتع بها العلماء والفنيون والاداريون فيها, والصين الآن حققت نفس الأهداف.
وقد انشغل الامريكيون في محاولة معرفة ماتنفقه الصين علي برنامجها الفضائي, والصينيون لايصرحون بميزانيات التسلح والبحث العلمي, ولكن أقل التقديرات الأمريكية تري أن تكلفة هذا البرنامج لاتقل عن2,2 مليار دولار سنويا, بينما تنفق أمريكا سنويا15 مليار دولار لابحاث الفضاء. وتوصل الصين إلي هذا الانجاز الذي يعتبر انجازا تاريخيا يعني ان لديها الارادة السياسية لدخول حلبة الصراع علي الفضاء, وامتلاك كل أسراره العلمية, وهذه الارادة لن تتوقف عند هذا الحد, ولابد ان يصل الأمر إلي التطور الطبيعي لهذه الخطوة بامتلاك محطات فضاء, وقواعد علي سطح القمر, وربما ترسل في يوم ما مركبة فضاء إلي المريخ, وهذه الأهداف ليست سرا, فقد أعلنت الصين أنها تريد الوصول إليها.
الامريكيون مشغولون بالبحث عن كيفية وصول تكنولوجيا الفضاء إلي الصين, وهي تكنولوجيا بالغة التعقيد, وتحتاج إلي تكامل صناعات متعددة وأجهزة يصعب الوصول إلي انتاجها, وهل يقلد الصينيون التكنولوجيا الأمريكية, أم أنهم توصلوا إلي تكنولوجيا جديدة خاصة بهم, وكيف وصلوا ومتي أعدوا الكوادر العلمية والفنية لذلك بما يستلزم مستويات متفوقة ومعقدة جدا في التكنولوجيا والصناعة وهندسة الصواريخ.
هذا النجاح العسكري ـ السياسي ـ التكنولوجي جعل المراقبين يتساءلون ماذا سيكون رد الفعل الأمريكي علي هذا النجاح, وقد رأي الشعب الأمريكي ان هذا الانجاز يهدد أمنهم ووضعهم في العالم مما اضطر الحكومة إلي إعلان أنها ستطور برامج الفضاء, وتحتاج لذلك إلي المزيد من الاعتمادات المالية, هل سيؤثر رائد الفضاء الصيني علي العلاقات بين أمريكا والصين التي شهدت تحسنا في الفترة الأخيرة, وهل يؤدي هذا النجاح إلي محاولة أمريكا اثبات تفوقها بالعمل علي تحقيق انجازات أخري في الفضاء؟!.
المهم أن أمريكا تشعر الآن بأن هناك قوي أخري يمكن ان تظهر وتهدد النظام العالمي الاحادي الذي جعلها وحدها تتربع علي عرش العالم.