الخسائر الأمريكية

لصحافة الأمريكية توجه في هذه الأيام النقد الشديد لسياسة الرئيس بوش في العراق وأفغانستان مما يدل علي أن الرأي العام بدأ يفيق من آثار عملية التنويم المغناطيسي التي وقع تحت تأثيرها بضغط الأكاذيب الإعلامية والسياسية‏.‏


افتتاحية هيرالدتريبيون يوم‏14‏ سبتمبر الحالي كانت بعنوان فواتير العراق أشارت فيها إلي ازدياد خسائر القوات العسكرية الأمريكية‏,‏ وغضب العراقيين لما وصلوا إليه من انهيار المرافق ومستوي الحياة‏.‏ واضطرار الكونجرس للموافقة علي اعطاء الرئيس بوش‏87‏ مليار دولار اضافية لتكاليف الحرب في العراق‏,‏ وقالت إن الصدمة الكبري ليست بسبب هذه التكاليف الباهظة‏,‏ والتكاليف الاخري المحتملة‏,‏ بل بسبب الحقائق التي أخفاها الرئيس‏,‏


والكونجرس لديه أسئلة صعبة عن كيفية سداد هذه الفواتير الضخمة التي جعلت الانفاق العسكري علي حرب العراق يصل إلي‏150‏ مليار دولار‏,‏ وبعد أن وصل الانفاق اليومي إلي مليار دولار أسبوعيا‏,‏ أما التكاليف علي المدي الطويل فلا يمكن تقديرها لأنها تتوقف علي حجم القوات التي ستضطر الادارة الأمريكية إلي إرسالها الي العراق لتعزيز القوت الحالية التي لم تعد كافية لمواجهة الموقف المتفجر ومدة بقاء هذه القوات تبدو أطول مما يقال في التصريحات‏.‏ وقد أعلن رسميا عن مد وجود الآلاف من قوات الاحتياطي والحرس الوطني في العراق‏,‏ مما يجعل أمر وظائفهم‏,‏ وما تعانيه عائلاتهم‏,‏ أمورا منسية‏!‏ أما تكاليف إعادة الاعمار فإنها تحتاج بين‏50‏ و‏80‏ مليار دولار‏,‏ وقد تزيد مع عمليات التدمير المستمرة التي تحدث الآن وستحدث بعد ذلك‏.‏


والسؤال‏:‏ كيف ستتحمل أمريكا هذه التكاليف بينما وصل العجز الفعلي الآن إلي نصف تريليون دولار‏!‏


وتنتهي الصحيفة إلي أن الادارة الأمريكية فشلت في تحديد الأهداف الممكنة بالحرب علي العراق‏,‏ وفشلت في وضع تصور لكيفية الخروج منها‏!‏


كذلك كانت افتتاحية هيرالد تريبيون يوم‏4‏ سبتمبر بعنوان فشل في أفغانستان أشارت فيه إلي خطة البيت الأبيض لتقديم‏1800‏ مليون دولار لإعادة اعمار ما خربته الحرب الأمريكية فيها‏,‏ ولن يكون ذلك كافيا لأن حجم خسائر أفغانستان أكبر من ذلك بكثير‏,‏ وحكومة أفغانستان مفلسة وضعيفة‏,‏ واقتصاد أفغانستان هش‏.‏ وطالبان تسعي إلي العودة وتسبب ازعاجا للقوات الأمريكية والحكومية‏,‏ بعد أن عادت إلي مناطق قبائل الباشتون في الجنوب والشرق‏,‏ وحكومة قرضاي ليس لها وجود في هذه المناطق والأهالي يكرهونها‏,‏ وأعادوا تشكيل قوات لقتال المتعاونين مع الأمريكيين ومع الحكومة المركزية‏,‏ والمسئولون في هذه الحكومة معرضون للاغتيال في أي وقت‏,‏ ولخطورة الحالة الأمنية صدرت التعليمات إلي العاملين في منظمات الاغاثة الدولية للابتعاد عن هذه المناطق الخطرة حرصا علي سلامتهم‏.‏


ومعني عودة طالبان إلي بناء قاعدة لها من جديد يجعل انتصار أمريكا العسكري في أفغانستان لا معني له‏,‏ ويكفي مثالا لحالة التدهور التي وصلت إليها أفغانستان الاشارة إلي تدمير الطريق بين كابول وقندهار وهو الطريق الرئيسي الذي كان يربط البلاد‏,‏ وبرغم مرور السنوات لم يتم الاصلاح إلا لمسافة تساوي‏10%‏ منه فقط‏,‏ وهذا يمثل عائقا كبيرا أمام التجارة وتحرك المواطنين والقوات العسكرية‏.‏ وليست المناطق الأخري أحسن حالا‏,‏ فإن مناطق الشمال والغرب يحكمها جنرالات غير موالين للحكومة ولا للأمريكيين‏,‏ ويقاتلون لحسابهم الخاص‏,‏ والكثير منهم مسلحون بأسلحة أكثر وأحدث من تسليح قوات حكومة قرضاي‏.‏


والخلاصة أن الادارة الامريكية في ورطة حقيقة في العراق كما في أفغانستان‏,‏ وأنها تعمل علي تغطية الفشل بالدعايات السياسية والفقاقيع الاعلامية‏,‏ كما تحاول استعادة حلفائها الذين تعاملت معهم بازدراء وتعال قبل الحرب‏.‏ وهي الآن محتاجة إليهم ليتحملوا عنها الخسائر في الأرواح والأموال‏..‏ فأمريكا تحارب‏..‏ والحلفاء يدفعون الفواتير‏..‏ وهذه هي السياسة الجديدة التي تسعي الادارة الأمريكية إلي تنفيذها قبل بدء حملة انتخابات الرئاسة لإنقاذ الرئيس بوش من مصير يبدو محتوما‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف