مراجعات أمريكية
حتي الآن مازال الخلاف داخل أمريكا حول مبررات الحرب ضد العراق فقد أعلنت الادارة الأمريكية ومازالت تعلن انها علي يقين بوجود أسلحة دمار شامل في العراق, ثم عادت إلي القول بأن العراق علي صلة بالارهاب الدولي, وبتنظيم القاعدة. ثم أعلنت بعد ذلك أن هذه الحرب لأن العراق دولة دكتاتورية وتريد أمريكا تغيير دول الشرق الأوسط لتصبح ديمقراطية مسايرة للسياسات الأمريكية والبداية في العراق, وأخيرا قالت إن العراق يمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي..
والآن, وقد انتهت الحرب واحتلت الجيوش الأمريكية العراق, جاء وقت المراجعة في مراكز البحوث, وفي الصحافة, والمتوقع أن تنتقل المراجعة إلي الكونجرس لكي يحاسب المسئولين في البيت الأبيض والبنتاجون والمخابرات علي مدي صدق ما قيل للشعب الأمريكي قبل وأثناء هذه الحرب ويتساءل المحللون: هل غزو العراق جعل أمريكا أكثر أمانا, وقد ناقش هذا الموضوع البروفيسور ستيفن كوهين الأستاذ المشهور بجامعة نيويورك, في مقال أخير قال فيه أن حالة الزهو السائدة في الادارة الأمريكية بعد انتصارها في حرب العراق اضطرت كثيرا من المفكرين إلي الصمت خشية اتهامهم بعدم الوطنية, وبعد تكرار ظهور الرئيس الأمريكي وسط القوات الأمريكية لإظهار القوة العسكرية الأمريكية الغالبة, وفي مهرجانات النصر هذه يصعب إبداء الرأي بهدوء.
ويقول ستيفن كوهين إن هذا الزهو لا يجعل المعارضين لغزو العراق يتراجعون عن موقفهم, لأن انتصار أقوي قوة عسكرية في العالم علي دولة مثل العراق لا يستحق اعتباره انتصارا لأن أحدا لم يكن يتوقع أو يقبل نتيجة أخري غير هذا الانتصار, ولكن القضية مازالت قائمة: هل أصبحت أمريكا بعد هذا الانتصار أكثر أمنا كما وعد الرئيس بوش أم أن الأمن القومي لأمريكا مازال مهددا ومعرضا لخطر ما. والاجابة لن تظهر إلا بعد شهور وربما بعد سنوات وفي ضوء سبعة معايير أساسية: هل ستمنع هذه الحرب حدوث ضربات عسكرية وقائية في مناطق ودول لديها أسلحة دمار شامل؟ وهل ستؤدي هذه الحرب إلي القضاء علي احتمالات وجود أسلحة نووية في دول لم تكن لديها هذه الأسلحة, ولكنها قد تجد أن امتلاك هذه الأسلحة هو سلاح الردع الوحيد لحماية نفسها من وضعها علي قائمة محور الشر في يوم ما وقيام أمريكا بتغيير نظام الحكم فيها بالقوة العسكرية كما فعلت في العراق؟ وهل ستؤدي الحرب, والاحتلال الأمريكي الطويل للعراق, إلي القضاء علي الحركات الارهابية أم سيؤدي إلي ظهور ارهابيين جدد غير معروفين ويقومون بعمليات ارهابية من حيث لا يتوقع أحد؟
وهل ستؤدي حرب العراق إلي انهاء العمليات الارهابية ضد الولايات المتحدة ومصالحها في الداخل والخارج؟ وهل ستدفع هذه الحرب عصابات وجماعات ارهابية إلي تصنيع واستعمال اسلحة دمار شامل أم ستساعد علي القضاء نهائيا علي احتمال وصول هذه الأسلحة إلي أيدي الارهابيين..
ويتساءل المفكر الأمريكي أخيرا هل سيجد الرئيس بوش ما يطلبه من تعاون الدول, والأمم المتحدة معه في الحرب العالمية علي الارهاب, أو ستؤدي حالة العداء لأمريكا المنتشرة في أنحاء العالم إلي تردد الحكومات والمنظمات الدولية في التعاون معه بعد أن أظهر عدم المبالاة بالدول والشعوب والارادة الدولية.. ويختم كوهين مقاله بالقول: إن الذين كانوا ضد الحرب مازالوا ضدها, ومازالوا يعارضون ما قيل من مبررات للحرب ويخشون من أن تجيب الأحداث في المستقبل القريب علي هذه الأسئلة بعكس ما كان يعلنه البيت الأبيض من أن هذه الحرب هي الضمان لحماية الأمن القومي لأمريكا بل وإن الرئيس بوش أعلن أن هذه الحرب ستؤدي إلي حماية الأمن والسلام في العالم. ثم يقول: وباعتبارنا وطنيين, وحتي لا نتهم في وطنيتنا, فإننا نأمل أن نكون مخطئين في توقعاتنا بأن هذه الحرب ستؤدي إلي الاضرار بالأمن القومي الأمريكي.
قبل ذلك كتب الباحث الأمريكي نيكولا كريستوف مقالا في نيويورك تايمز قال فيه أنه ليس صحيحا ما يقال عن أن غزو العراق سيجعل أمريكا والعالم أكثر أمانا, وما سيحدث أن هذا الغزو لن يقلل الخطر علي الأمريكيين بل سيزيده, وقد سبق أن ذكرت المخابرات الامريكية في تقرير لها قبل الحرب أن العراق لا يمثل تهديدا لأمريكا وليس واردا أن يقوم بهجمات ارهابية علي أمريكا, وكانت النصيحة التي قدمها كثيرون عدم التضحية بأرواح الجنود, وزيادة احتمالات تعرض الأمريكيين لهجمات ارهابية, ومن الخطأ اتهام الذين رفضوا الحرب بأنهم جبناء أو غير وطنيين, ولكن الرافضين كانت حساباتهم قائمة علي تقدير المكاسب والخسائر, وكانوا يخشون من حالة فقدان القدرة علي رؤية المخاطر.. وهذه الحالة هي التي أغرقت أمريكا في مستنقع فيتنام.
المراجعات الآن كثيرة.. وسوف تظهر آثارها ونتائجها بعد وقت لن يكون طويلا.. وقد تؤدي إلي وقفة حساب صعبة في الكونجرس كما يتوقع البعض, وكما حدث من قبل. بعد حرب فيتنام, ووترجيت, وفضيحة مونيكا لوينسكي.. وقد تكون فضيحة العراق أكبر!