الخريطة و الطريق
بعد تجاهل طويل بدأت الادارة الأمريكية في الاهتمام بقضية الشرق الاوسط الاولي وهي قضية الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي, وان جاء الاهتمام متأخرا جدا, وبعد ان فرغ شارون من تنفيذ مشروعه بتدمير مقومات الوجود الفلسطيني في الضفة وغزة, إلا أن التحرك متأخرا أفضل من عدم التحرك علي الاطلاق.
ولكن الآن هناك قضية الشرق الاوسط الثانية الملتهبة, وهي قضية الاحتلال الأمريكي للعراق, وتتلخص في وطن عربي ثان يواجه مصير فلسطين, ويحتاج هو الآخر إلي خريطة طريق لتحريره من الاحتلال واعادته إلي اهله.
والقضية الفلسطينية تشهد في كل مرحلة تراجعا إلي وراء, واقتطاعا لجزء أكبر من الارض الفلسطينية, ويبدو انها الآن علي وشك ان تفقد المزيد من الأرض بحيث لا يتبقي في نهاية المطاف سوي دولة فلسطينية مؤقتة أو مرحلية منزوعة السلاح, وبلا سيادة, وتترك القضايا الاساسية مثل الحدود والقدس واللاجئين والمياه معلقة علي أن يتم التفاوض عليها فيما بعد دون تحديد موعد لذلك كسبا للوقت, والوقت دائما يعمل لمصلحة اسرائيل وضد الفلسطينيين, منذ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام1947, وكان هذا القرار يعطي الفلسطينيين47% من ارضهم التاريخية, والباقي للدولة اليهودية الناشئة, وبعد46 عاما جاءت اتفاقية اوسلو عام1993 لتعطي للفلسطينيين22% فقط من وطنهم, وقبلوا بذلك, لكن اسرائيل لم تنفذ اتفاق اوسلو إلي أن جاءت كامب ديفيد في عام2000 ليعرض الرئيس الامريكي كلينتون ورئيس الوزراء الاسرائيلي باراك علي الفلسطينيين80% من الـ22% من وطنهم, وجاء شارون ليهدم كل شيء ويعرض إقامة دولة فلسطينية مؤقتة وبلا سيادة علي42% من الـ80% من الـ22% من100% من فلسطين.
ويعلق الكاتب اليهودي الامريكي جوناثان كوك الذي يعيش في اسرائيل علي هذا السيناريو فيقول انه اقرب إلي التراجو ـ كوميدي, الملهاة المأساوية, وشارون جاد في تنفيذ مشروعه ويحيط الارض التي سيعطيها للفلسطينيين بأسوار من الاسمنت والاسلاك الشائكة, وهي جزر منعزلة وسط الدولة الاسرائيلية وتحت رحمتها, والجدار الذي تشيده اسرائيل حول الضفة الغربية بحجة حمايتها من الهجمات الارهابية سيؤدي إلي وجود مليوني فلسطيني في سجن حقيقي محاط بسور الكتروني, بينما سيبقي مليون فلسطيني في سجن آخر في غزة وتعلن اسرائيل ان هذا السور مقام علي الخط الأخضر الذي يحدد مواقع اسرائيل عام1967, بينما اعترف شارون اخيرا في مقابلة مع صحفية يديعون احرونوت الاسرائيلية بان هذا الحائط العازل يبلغ طوله الف كيلو متر, بينما الخط الاخضر كان360 كيلو مترا فقط.. وواضح ان شارون يريد بذلك ان يضع الجميع امام الأمر الواقع, ولا يكون أمام الفلسطينيين سوي القبول بدولة صغيرة قبل ان يبدأ تطبيق خريطة الطريق الأمريكية, وهدف شارون المعلن منذ سنوات هو عدم السماح باقامة دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة ولها الحق في مراقبة حدودها ومياهها الاقليمية, ومجالها الجوي, والحكومة الاسرائيلية تعمل منذ سنوات علي مصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة مستوطنات جديدة ولذلك فان أي نظرة للواقع علي الأرض ستبين ان السور الإسرائيلي يشق قلب الدولة الفلسطينية القادمة, وهذا السور لايسير في خطوط مستقيمة, ولكنه يتلوي ليبتلع مساحات الأراضي الفلسطينية المغتصبة حديثا, ويضم المستوطنات العشوائية الجديدة إلي الجانب اسرائيل. وفي نفس الوقت تعتزم الحكومة الاسرائيلية اقامة جدار ثان متعرج بنفس الطريقة بالقرب من الحد الشرقي للضفة المشترك مع الأردن, وسيترتب علي اقامة هذا السور ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية لاسرائيل, ولا يعني شيئا بالنسبة لأمن اسرائيل كما تدعي, وتقليل مساحة الدولة الفلسطينية إلي أن تصبح مجرد قفص يختنق فيه ثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني ولايجدون امامهم سوي الهجرة وترك وطنهم! وبسياسة الاسوار هذه سيكون علي الفلسطينيين ان يقبلوا دولة مقسمة قسمين صغيرين حولهما اسوار مكهربة, وكل قسم ممزق الي أجزاء منفصلة وتتخللها المستوطنات.
وهذا يعني ان تنفيذ خريطة الطريق إذا كان الهدف منها الوصول الي سلام عادل, فإن اول شروطه اقامة دولة فلسطينية لها مقومات الدولة ذات السيادة, علي الارض المعترف بها في المواثيق والاتفاقات والقرارات الدولية.. ويبدو أن تنفيذ خريطة عادلة سيكون صعبا مغ استمرار التعنت الاسرائيلي والمساندة الأمريكية, اما الطريق فيبدو طويلا جدا بحيث لا يستطيع أحد أن يري له نهاية.!