الصديق الإستراتيجى
ضع الرئيس بوش العرب في مأزق.. فقد اتخذوا موقفا لا رجعة فيه باعتبار أمريكا الصديق الاستراتيجي لهم, ثم وجدوها تشن عليهم الحروب, وتمارس عليهم الضغوط وتنحاز إلي إسرائيل بصورة لم يسبق لها مثيل, مما جعل الأمريكيين أنفسهم يعبرون عن هذه التناقضات بصراحة, ويطالبون الادارة الأمريكية بموقف أكثر اعتدالا وإنصافا مع اصدقائها العرب!
وحتي توماس فريد مان الذي لم يكن يوما متعاطفا مع الحق العربي, انضم هو الآخر إلي مطالبة الرئيس بوش بمراجعة سياساته تجاه العرب, بعد أن تراجع عن دور الشريك, ودور الوسيط النزيه إلي دور المؤيد لإسرائيل علي طول الخط... فريد مان في مقاله الاخير في نيويورك تايمز بعنوان بوش يجب أن يستمع إلي والده يقول ان بوش سوف يدخل التاريخ باعتباره أكثر رؤساء أمريكا انحيازا لإسرائيل علي الاطلاق, وإذا استمر في ذلك فسيؤكد ما يقوله الناس من أنه خاتم في أصبع شارون, وأنه هو الذي جعل إسرائيل واثقة من قدرتها علي الاحتفاظ بكل شيء, بما في ذلك المستوطنات والأمن وفقا لمبدأ شارون: عندما اكون ضعيفا اقبل الحل الوسط, وعندما اكون قويا لماذا أقبل الحل الوسط؟ ولكن ذلك لن يخدم إسرائيل علي المدي الطويل, بل سيؤدي بها إلي الاضمحلال.
ويقول فريدمان إن بوش الأب كانت لديه القدرة علي مواجهة إسرائيل, واللوبي اليهودي في أمريكا ببعض الحقائق الصعبة, خاصة بعد حرب الخليج عام1991.. كان قادرا علي مصارحة هؤلاء بأن توسيع المستوطنات سوف يضر بمصالح إسرائيل, ويضعف فرص السلام, وسيؤدي إلي اضعاف مركز أمريكا في العالم العربي, وفي الوقت نفسه كان بوش الأب يساند وزير خارجيته جميس بيكر للضغط علي العرب واجبارهم علي الجلوس مع إسرائيل لأول مرة في مدريد, وامام بوش الابن الآن فرصة, قد تكون الأخيرة, لاحياء عملية السلام, فهل يمكن ان يكون مثل أبيه ويتخذ موقفا حازما, خاصة بعد أن قدم الفلسطينيون كل ما هو مطلوب منهم.. وتم تعيين رئيس وزراء ووزراء ترضي عنهم أمريكا وإسرائيل, ويحتاجون إلي المساعدة لاقامة مؤسساتهم, ولن يحقق رئيس الوزراء الفلسطيني نجاحا إذا لم تساعده أمريكا, وتجعل إسرائيل تقوم بخطوات عملية نحو تحسين أوضاع الفلسطينيين, وإزالة المستوطنات التي سمح شارون بانشائها مستغلا صمت بوش وتفسيره لهذا الصمت علي أنه قبول لكل ما يعمله بالفلسطينيين.
يقول توماس فريد مان إن الرئيس بوش يقدم افكارا ومبادرات وخرائط, ولكن لا يعمل شيئا لتنفيذها, وعليه أن يعمل بتركيز وجدية لتنفيذها, وأن يعمل علي وقف هجمات البنتاجون علي وزير خارجيته كولين باول ويسانده, وعليه أيضا أن يعلن بوضوح وبحزم لليمين المسيحي, ولاتحاد رؤساء المنظمات اليهودية الذي يديره الليكود من إسرائيل, انه لن يسمح لهم بإعاقة السير علي الطريق لتحقيق السلام, وعليه كذلك ان يعمل بجدية علي وقف عمليات بناء المستوطنات عشوائيا كما يحدث الآن, ويعمل علي أن يتقبل العرب الدولة اليهودية...
هل لدي بوش الابن الارادة للسير بجدية علي طريق السلام واقامة دولتين؟ يطرح توماس فريدمان السؤال, ويجيب بانه لم تعد امام أمريكا وإسرائيل حجة بعد ازالة نظام صدام حسين الذي كان يمثل اكبر تهديد لإسرائيل, وعلي شارون أن ينتهز هذه الفرصة لمصلحة إسرائيل, ويتخلي عن المناورات والتسويف, لأنه إذا ضاعت هذه الفرصة فقد لا تتكرر, وسوف يتأكد العرب أن الحرب علي العراق كانت من أجل تحقيق اطماع إسرائيل, وليس من اجل اقامة السلام والديمقراطية... وسيؤدي ذلك إلي سيطرة الراديكاليين الفلسطينيين, وسوف ينسحب الشباب من اليهود الأمريكيين من إسرائيل بعد أن يجدوا أنها تحولت من دولة يهودية ديمقراطية إلي دولة عدوانية غير ديمقراطية قائمة علي القوة والقمع.... ولذلك فإن الأمل ان يستمع بوش الابن إلي بوش الأب, وأن يتبع خطاه.
قد يكون هذا الأمل بعيد المنال كما يبدو.. ولكن وجود الأمل افضل من فقدانه.. وربما يفضل بوش وشارون ان يدخلا التاريخ كصناع للسلام بعد أن دخلا التاريخ كصناع للحروب.