أكاذيب الحرب و حقائق السلام

كان قادة إمبراطوريات الحرب القدماء يقولون إن الحرب لا تحتاج إلي أسباب‏,‏ يكفي أن تكون الدولة قادرة علي النصر في الحرب لكي تحارب‏,‏ ولا بأس من أن تسبق الحرب وتصاحبها بعض الأسباب الملفقة ولا يهم أن تكون مقنعة أولا تكون‏..‏ المهم أن تحقق الدولة المحاربة أهدافها من الحرب‏.‏

وكان يقال إن هذا المنطق يسري فقط علي الحروب الهمجية أو غير الاخلاقية‏,‏ ولكن ذلك غير صحيح‏,‏ لأن الحرب الأمريكية علي العراق قامت علي أسباب معلنة لم يثبت صحة أي سبب منها‏..‏ لم تكتشف أسلحة الدمار الشامل التي قدم كولن باول صورها في مجلس الأمن وقال إن الاقمار الصناعية الأمريكية التي لا تكذب التقطتها‏,‏ وبعضها محمل علي سيارات متنقلة‏...‏ ولم يظهر دليل مقنع علي صلة العراق بالإرهاب أو بتنظيم القاعدة‏...‏ أو بأحداث‏11‏ سبتمبر‏...‏


ومع ذلك فإن الولايات المتحدة مازالت تتحدث‏,‏ وعن أسلحة الدمار عن صلة العراق بالقاعدة‏,‏ وتثير الخوف في نفوس الشعب الأمريكي لكي تبقي القوانين والاجراءات المقيدة للحرية والمخالفة للمبادئ والقيم الأمريكية بحجة حماية المجتمع الأمريكي من هجوم متوقع‏,‏ وتعلن كل حين عن القبض علي بعض عناصر من تنظيم القاعدة هنا أو هناك ولا تقدم احدا منهم للمحاكمة ولا تقدم دليل ادانة‏...‏ مع أن تنظيم القاعدة انتهي بالحرب الأمريكية في افغانستان التي قلبت افغانستان رأسا علي عقب‏..‏ وحتي لو كانت هناك بقايا لهذا التنظيم فهي الآن عناصر مذعورة ومشتتة وغير قادرة علي عمل شيئ للولايات المتحدة‏...‏ وليس هناك دليل علي ما تدعيه الولايات المتحدة من أن تنظيم القاعدة كان علي وشك انتاج اسلحة كيماوية وبيولوجية واستخدامها‏...‏ وفي وجود اجراءات الأمن المشددة في أمريكا‏,‏ وفي دول العالم من المتعذر علي أي تنظيم إرهابي أن يغامر بالقيام بعملية تخريب إلا في نقاط الضعف في دول العالم الثالث‏,‏ كما حدث في الملهي الليلي في جزيرة بالي‏.‏

ولا صلة لذلك بالعراق أو بسوريا أو ليبيا أو ايران أو السودان التي وضعتها الولايات المتحدة في قائمة الدول التي ترعي الإرهاب دون أن تقول علي أي أساس فعلت ذلك‏.‏


أما الحجة القائلة بأن هذه الحرب لتحرير العراق من الدكتاتور صدام حسين‏,‏ فقد جاء إلي العراق نظام قائم علي الاحتلال العسكري الأمريكي والسيطرة علي ثروات وارض العراق لا يقل سوءا عن نظام حكم صدام حسين‏,‏ وكأن شعب العراق كان يستجير من الرمضاء بالنار‏,‏ وهو الضحية في الحالين‏,‏ وإن كانت الأكاذيب هي هي‏:‏ فكل من النظامين يدعي أنه يعمل لمصلحة الشعب العراقي‏,‏ والمقابر الجماعية لنظام صدام تظهر بينما دماء العراقيين تراق برصاص القوات الأمريكية‏!‏

والنتيجة أن هذه الحرب غير الأخلاقية‏,‏ وغير الشرعية‏,‏ اشعلت مشاعر الغضب والكراهية في الشارع العربي‏,‏ وإن كان ذلك سوف يتحول من التهاب حاد إلي التهاب مزمن‏,‏ قد لا يتفجر الآن‏,‏ ولكنه قابل للانفجار في أي وقت لاحق‏,‏ والقول بأن أمريكا تريد نشر الديمقراطية في الدول العربية والإسلامية لا يجد قبولا من الشعوب‏,‏ لأن الديمقراطية لا تفرض بالحروب‏,‏ ولا بقوات الاحتلال العسكرية‏,‏ ولا بالحكام الاجانب‏,‏ والأمر المؤكد أن تجد التيارات الراديكالية في هذا الاحتلال والتدخل سببا كافيا لاكتساب ارض جديدة‏,‏ ولن تجد حالة الغضب والاحباط والشعور بالمهانة متنفسا إلا بالعمليات الإرهابية العشوائية تعبيرا عن اليأس من تحقيق العدالة والقانون‏.‏


هل الولايات المتحدة مستعدة لمواصلة الحروب بحثا عن اوهام اسلحة الدمار الشامل التي لم تستخدم أبدا‏..‏ وبحثا عن تنظيم القاعدة الذي لم يعد له وجود‏,‏ أو عن بن لادن الذي اختفي وقالت الولايات المتحدة إنه قتل‏,‏ ثم قالت أنه هرب‏,‏ وإن كان حيا فقد اصبح مطاردا ومذعورا ومهيض الجناح‏,‏ وغير قادر علي الحركة‏...‏ وهل ستستمر الولايات المتحدة في الضغط علي سوريا؟‏...‏ وإلي أي حد؟

وإلي متي؟ وهل ستمارس الضغوط علي دول عربية وإسلامية أخري؟ وما هي ؟ وما الحجج التي تعدها لذلك؟


وهل سيبقي الانحياز الأمريكي لإسرائيل بغير حدود‏,‏ حتي بعد أن سلم الفلسطينيون بكل المطالب الأمريكية‏,‏ ولم يبق سوي تنفيذ الوعد الأمريكي بالعمل علي تسوية النزاع وفقا لمبادئ العدل والشرعية‏,‏ أو اختراع مطالب جديدة من الفلسطينيين لالقاء اللوم عليهم في التراجع عن تنفيذ الوعود‏,‏ واعفاء إسرائيل من اللوم ومن المسئولية؟


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف