قضايا الحاضر و المستقبل

في الوقت الذي يعيش فيه المصريون علي أعصابهم وهم يعايشون مأساة الشعب العراقي‏,‏ جاءت دعوة الدكتورة نجوي الفوال مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية الي مؤتمر يبدأ اليوم‏,‏ وتشارك فيه نخبة من قيادات الفكر السياسي والاجتماعي‏,‏ لمناقشة قضايا الحاضر والمستقبل للمجتمع المصري والمجتمعات العربية‏.‏

جاءت هذه الدعوة في وقتها‏,‏ لأن هذا هو وقت المراجعة لما حدث في المجتمع المصري في خمسين عاما من تغيرات وتطورات سلبية وايجابية‏,‏ لتحديد ما يجب عمله لتحقيق القوة للمجتمع وحمايته من العدوان والغزو غير المباشر‏,‏ وهو الغزو الثقافي الذي يستهدف التأثير علي العقل والشخصية وتغيير الهوية الوطنية‏.‏ واجهاض قوة المجتمع‏,‏ وتماسكه‏,‏ وقدرته علي الدفاع عن معتقداته ومبادئه وبنائه الاجتماعي‏,‏ وحرمان المجتمع من الضمان لحماية الاجيال الجديدة‏,‏ والضمان علي قدرة المجتمع علي السير الي الامام دون توقف اونكوص‏,‏ والتفاعل مع الحضارة العالمية دون أن يفقد المجتمع مقوماته الأساسية أو تهتز عقائده‏,‏ او تتآكل الارادة والقدرة علي التصدي للغزوات الحضارية والثقافية‏.‏


هذا المؤتمر الذي يضم صفوة العلماء والمفكرين موضوعه التغير الاجتماعي في المجتمع المصري خلال خمسين عاما هو الترجمة العملية لدور المركز القومي للبحوث كمرصد اجتماعي يعبر عن واقع المجتمع‏,‏ وينشغل بقضاياه ومشاكله‏,‏ ويطرح الحلول لمواجهتها برؤية علمية متكاملة ومتعمقة‏.‏ ومن مجموع الدراسات والمناقشات يمكن التوصل إلي رؤية علمية صحيحة لما حدث في المجتمع المصري من تغير بعيدا عن الاجتهادات الشخصية والانطباعات السائدة من غير المتخصصين‏,‏ خاصة الموضوعات التي اصبحت عملا لمن لا عمل له‏,‏ مثل اثر ثورة يوليو في التحول الاجتماعي‏,‏ والقوي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تقود وتؤثر في التغير الاجتماعي في كل مرحلة من المراحل التي عاشتها مصر في نصف قرن‏,‏ ومدي التغير في القيم والافكار والثقافة في المجتمع‏,‏ واثر العوامل الاقتصادية‏,‏ والتشريعات‏,‏ والتعليم‏,‏ والتنمية العمرانية في التغير الذي حدث في المجتمع ككل‏,‏ وفي الاسرة والشباب بصفة خاصة‏,‏ واسباب تزايد العنف‏,‏ والجريمة‏,‏ والفساد‏,‏ والمخدرات‏,‏ والتغير السلبي في الاخلاق‏,‏ والقيم‏,‏ والذوق العام‏,‏ والعلاقات الاجتماعية‏,‏ ومدي قدرة القوانين علي تغيير المجتمع‏...‏ ومثل هذه القضايا يجب أن تكون موضوعات للحوار علي كافة المستويات لترشيد وتصحيح مسار المجتمع‏,‏ وزيادة الاهتمام بالتنمية البشرية والاجتماعية بعد أن اخذت مشاكل الاصلاح الاقتصادي الجانب الاكبر من الاهتمام‏,‏ وأدي ذلك إلي تراجع الاهتمام بالاصلاح الاجتماعي‏,‏ ولعل هذا المؤتمر يكون صيحة توقظ الجميع‏,‏ لكي تدرك الوزارات والمؤسسات المختصة بالتربية‏,‏ والثقافة‏,‏ والاعلام‏,‏ ورعاية الشباب‏,‏ اهمية تعديل فلسفة العمل وتنفيذ استراتيجية جديدة للبناء الاجتماعي لمواجهة الغزو والعدوان القادم علي المجتمع‏,‏ وعلي العقل والشخصية القومية‏.‏


وهناك تغيرات كثيرة حدثت في الاسرة المصرية وفي العلاقات داخلها‏,‏ وفي وضع المرأة‏,‏ وسلوكيات الابناء وعلاقتهم بالآباء وبالأسرة‏,‏ واثر البطالة والتحولات الاقتصادية علي المجتمع‏,‏ ومدي قدرة السياسة الجنائية علي الحد من الجريمة‏,‏ وكذلك مدي نجاح السياسات التعليمية في بناء الشخصية وغرس القيم الايجابية‏,‏ وفاعلية المجتمع المدني ودوره في المشاركة في التنمية‏,‏ والدور الاجتماعي لرجال الاعمال وتأثيرهم في المجتمع‏,‏ ومدي نجاح التشريعات الجديدة في انصاف المرأة‏,‏ ومعالجة المشاكل الأسرية‏,‏ والابعاد الحقيقية للفساد الاداري وانتشار العنف والمخدرات‏..‏

هذه الموضوعات لها من الاهمية ما يجعلها مؤثرة في الأمن القومي‏,‏ وبالتالي يجب أن يكون لها مكان متقدم في أولويات الدولة‏..‏


وبعد ان كنا نشكو من الجمود والسلبية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية دبت فيه الروح بعد تولي ادارته قيادة واعية‏,‏ وعلي مستوي عال من الكفاءة العلمية والحس الوطني‏.‏ ويبقي ان تحول الوزارات والمؤسسات المختصة نتائج وتوصيات هذا المؤتمر الي برامج عمل وتنفذها فعلا حماية للمستقبل‏.‏ لكي لا يكون مصير هذا المؤتمر كمصير المؤتمر الاجتماعي الذي وضع استراتيجية للاصلاح الاجتماعي لم تنفذ‏!


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف