بعض جوانب الأزمة

في الرؤية الاستراتيجية الشاملة لتطورات الأزمة العراقية كما أعلنها الرئيس مبارك في بيانه إلي الأمة أن الموقف الخطير الذي يواجهه العراق سوف تمتد آثاره إلي تهديد الدول العربية بالأخطار نتيجة التدخلات الأجنبية وتأثيراتها السلبية علي تطوير وتحديث العالم العربي‏.‏


وعندما قدم الرئيس مبارك تحليلا لأسباب ما وصلنا إليه‏,‏ كشف عن أسباب‏..‏ الأول‏:‏ غزو العراق للكويت عام‏1990,‏ ومهما يقل عن إمكان تجاوز آثاره فلا يمكن إغفال عامل مهم أصبح من مكونات العقل والضمير والشعور العربي‏,‏ وهو المخاوف التي تعمقت لدي دول المنطقة‏,‏ وهذه المخاوف مشروعة ومبررة‏,‏ وكان من نتائجها الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة‏,‏ ولذلك فإن من يتحدثون عن الوجود العسكري في بلد من بلاد المنطقة عليهم أولا أن يتفهموا السبب الذي جعل هذا البلد يفتح أبوابه لهذا الوجود بعد غزو العراق للكويت بهذه الصورة‏..‏ فالخطأ الأول هو عملية الغزو الذي سبب جرحا شديد العمق في النفوس وترك أثرا ليس من الممكن علاجه إلا علي المدي الطويل‏,‏ والذين يطالبون بنسيان هذه الجريمة يدفعهم إلي ذلك حسن النية والرغبة في إصلاح الأوضاع العربية وإعادة الصف العربي إلي الوحدة‏..‏ ولكن إذا أردت أن تطاع فعليك أن تأمر بما يستطاع‏,‏ ومن لدغ من الثعبان مرة لا تكفي مجرد الوعود لإعادة الثقة والاطمئنان إليه بعد ذلك‏,‏ فإن إصلاح العمل الفاسد لايكون بمجرد الكلام الصالح‏,‏ ومقادير الدول لايمكن أن تعتمد علي النيات والأقوال‏..‏ ومن هنا كان الخطأ الثاني هو الأكبر‏,‏ وهو أن العراق لم يبذل الجهد الكافي للتعامل مع أزمة الثقة هذه‏,‏ وكان من الممكن أن يبادر منذ البداية بتقديم اعتذار واعتراف بأن ما حدث كان خطأ‏,‏ وهو كذلك بدون شك‏,‏ وليس في الإمكان اغتصاب دولة لدولة أخري لمجرد أنها قادرة علي ذلك‏,‏ وإن كان ممكنا ولو نظريا إلا أنه مستحيل في حالة الأشقاء الذين ينشدون كل يوم شعارات الوحدة والأخوة والدم العربي الواحد والجسد الواحد الذي إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي‏!‏


وظلت مواقف القيادة العراقية تعيد وتزيد عن حقها في ضم الكويت عاجلا أو آجلا‏,‏ وتنشر الخرائط والوثائق المزورة لتكرر الحديث عن أن الكويت جزء من العراق‏,‏ وتظهر في المحافل الدولية علي أنها هي صاحبة الحق وأن الكويت ليس لها الحق في إثارة الحديث عن حقوقها وقضاياها‏,‏ ولأول مرة في التاريخ العربي الحديث تكون المشكلة بين بلدين عربيين حول اغتصاب إحداهما للوثائق القومية للأخري‏,‏ وأن يكون في بلد عربي أسري عرب‏!..‏ والنتيجة الطبيعية أن يتفكك النظام العربي‏,‏ وهناك فرق بين ما نتمني أن يكون‏,‏ وما يجب أن يكون‏,‏ وبين ما هو ممكن في حدود العوامل والأسباب القائمة في الواقع‏..‏ فنحن نتحدث عن إعادة الصف العربي وهذا يدخل في باب التمنيات‏,‏ وتحقيق ذلك يتوقف علي ما قدمه العراق من مبادرات وأعمال تساعد علي ذلك‏..‏ ولكن الحكومة العراقية لم تفعل ذلك إلا متأخرا جدا‏,‏ بعد أكثر من عشر سنوات من المماطلة والعناد وخلط الأوراق والإصرار علي أحاديث الصلف والاستعلاء‏,‏ ولم تتقدم خطوة إلا في مؤتمر القمة العربية في بيروت العام الماضي فقط‏,‏ وكانت في الحقيقة خطوة شكلية بتشابك الأيدي وتبادل القبلات‏,‏ والجلوس معا مع ولي عهد السعودية وليس مع قيادات الكويت صاحبة القضية الأصلية‏..‏ وتعهدت بإعادة وثائق الدولة الكويتية ولم تقدم غير جزء من هذه الوثائق‏,‏ كما تعهدت بإعادة الأسري ولم تطلق سراح غير عدد محدود‏..‏ هذا عن الأخطاء العراقية علي الجانب العربي‏,‏ يضاف إليها عدم مبادرتها إلي استعادة علاقاتها مع المجتمع الدولي علي أسس جديدة غير الأسس التي كانت تتعامل بها قبل غزو الكويت‏,‏ وكأن القيادة العراقية كانت تريد من العالم أن يتغير ولا تريد أن تسعي إلي تغيير نفسها وأفكارها‏..‏ وترتب علي ذلك أن العالم كان يتحدث لغة والقيادة العربية تتحدث لغة أخري‏,‏ والعالم يتجه إلي عصر جديد من الانفتاح والتعددية وحقوق الإنسان والعراق يبدو منغلقا علي نفسه‏,‏ وكأنه قادر علي أن يظل يعيش في عصر غير العصر ويردد نفس الأفكار والمواقف والشعارات التي انتهي عصرها مع بداية القرن الجديد‏..‏ وباختصار لم تدرك القيادة العراقية أن الزمن تغير‏,‏ وعدم القدرة علي التطور والتغير في الوقت المناسب وبالدرجة المناسبة‏,‏ وعدم القدرة علي ادراك الاتجاه الصحيح للحركة يؤدي إلي فقدان الهدف‏.‏

ليست هذه كل الأخطاء‏..‏ وتحليل أسبابها يطول شرحه‏..‏ المهم ماذا عن شعب العراق الشقيق‏..‏ لماذا يدفع الثمن مرتين‏,‏ مرة علي يد قيادته‏,‏ ومرة بأسلحة لا قبل له بها‏..‏ ولماذا تكون دماء ومقدرات الشعب الشقيق هي الضحية بين شقي الرحي؟‏..‏ هذا هو المأزق العربي الذي نجد أنفسنا فيه‏.‏

وليس له مخرج سوي العودة الي ما نادت به مصر من احياء الجامعة العربية واعادة الفاعلية الي قراراتها‏,‏ والعودة إلي السوق المشتركة واتفاقية الامن العربي المشترك دون مزايدات‏.‏

وليس صحيحا مايقال من ان العرب ليست في ايديهم اوراق

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف