أنجز الحزب ما وعد

ما اعلنه جمال مبارك أمس الأول عن انجازات الحزب ولجنة السياسات في‏158‏ يوما فقط يفوق ما عمله الحزب في عشرات السنين‏,‏ ولاشك أن الإعلان عن أعمال ونتائج تمت بالفعل يمثل سياسة جديدة مختلفة عن سياسة اغراق الناس في التمنيات والنوايا والمشروعات التي مازالت حبرا علي ورق‏.‏


واستجابة لجنة السياسات لنبض الشارع بمثل هذه السرعة والحساسية دليل علي أن الروح الجديدة‏,‏ والفكر الجديد في الحزب بدأت تظهر آثارهما بالعمل وليس بالخطب‏,‏ كما أن التحول السياسي الكبير قد حدث بأن اصبحت الحكومة حكومة الحزب بعد أن كان الحزب تابعا للحكومة‏,‏ هذا التحول في حد ذاته هو تحول سياسي في غاية الأهمية يدل علي أن خطوات واسعة قد تمت بالفعل نحو مزيد من الديمقراطية‏,‏ ويضاف إليها ما اعلن امس الأول عن المشروعات التي أتمت لجنة السياسات دراستها مع الوزراء المختصين‏,‏ ومع خبراء القانون وقيادات الحزب‏,‏ وأهمها انشاء مجلس أعلي لحقوق الإنسان‏,‏ والغاء محاكم أمن الدولة‏,‏ والغاء عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة‏,‏ والانتهاء من إعداد مشروع انشاء محاكم خاصة لنظر القضايا والمنازعات الخاصة بالاسرة تراعي طبيعة هذه المشاكل وتحقق العدالة في نفس الوقت‏,‏ وتقضي علي حرمان المرأة من تولي القضاء في مجال هي الأنسب له‏.‏ مثل هذه الانجازات التي تستجيب للمطالب الشعبية وتسبقها أحيانا بمزيد من الديمقراطية وسيادة القانون‏,‏ وبمزيد من التبسيط في اجراءات القضاء‏,‏ وبمزيد من الإصلاح التشريعي الذي طال انتظاره‏,‏ هذه الانجازات هي التي تعيد ثقة الناس في جدوي العمل السياسي‏,‏ وهي التي تجذبهم إلي المشاركة بعد أن يلمسوا أن المشاركة مجدية ولها مردود في تحسين نوعية حياتهم‏.‏


والقضية التي تطرحها انجازات الحزب في هذه المدة القصيرة منذ بدء تولي القيادات الشابة الجديدة هي قضية المصداقية ومدي الجدية في تنفيذ الوعود‏,‏ ومدي الدقة فيما يقال من معلومات وارقام دون اغراق الناس بالوعود التي تفوق القدرة علي الانجاز‏,‏ فقد نجحت لجنة السياسات في ضبط الاداء بالنسبة للوعود والتصريحات فلم تسرف فيها‏,‏ وجعلت القول يساوي الفعل دون زيادة أو مبالغة‏,‏ وهذا هو الذي جعل ما يصدر عن هذه اللجنة يجد آذانا صاغية‏,‏ وتصديقا‏,‏ وتجاوبا‏,‏ وإذا استمر العمل في الحزب الوطني علي هذا المنوال فسوف تكون هذه مرحلة جديدة بحق ينتقل فيها العمل السياسي إلي مرحلة الفاعلية والقدرة علي المشاركة في القرار‏,‏ وفي وضع السياسات‏,‏ وسوف ينعكس اداء الحزب الوطني علي أداء بقية الاحزاب‏,‏ باعتباره حزب الأغلبية‏,‏ وبالتالي فهو الاكثر تأثيرا في الحياة السياسية‏,‏ وهو القدوة في الادارة السياسية وقيادة الجماهير‏.‏


وهذا التغير الكبير في الحزب الوطني يبشر بجدية وسرعة تنفيذ تحديث مصر وتحويله من شعار إلي عمل‏,‏ وما اعلنته لجنة السياسات هو خطوة مهمة في هذا الاتجاه‏,‏ والتغيير الاجتماعي بطبيعته يحتاج إلي المساندة العليا من القيادة وإلي المساندة الشعبية أيضا‏,‏ وبدون توافر هذين الجناحين معا لا يمكن تحقيق التغيير المأمول‏..‏ والتغيير الاجتماعي يبدأ من فوق‏,‏ من القيادات السياسية والتنفيذية‏,‏ وبما أن لجنة السياسات قد اصبحت هي العقل المفكر فقد انتهت مرحلة العمل السياسي المظهري وبدأت مرحلة العمل السياسي الحقيقي الجاد الذي يضع مصر علي قدم المساواة مع الدول الديمقراطية‏,‏ ويقنع الناس العاديين بأن النخبة الحاكمة تفكر فيهم‏,‏ وتعمل لصالحهم وتتجاوب مع مطالبهم‏,‏ ولا تضيق بالاختلافات في الآراء والتعدد في المواقف‏,‏ وتعمل علي استيعاب هذه الاختلافات داخل اطار واحد‏,‏ فيكون الاختلاف في إطار الاتفاق أو من أجل الاتفاق علي ما هو أصلح وأفضل‏...‏ وقد اجابت لجنة السياسات علي سؤال مهم كان يترقب الجميع الاجابة عليه من خلال تصرفات هذه اللجنة وهو‏:‏ هل سيتحول الحزب الوطني إلي سياسات الحزب الواحد ويعود الاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب في ثوب جديد‏,‏

وجاءت الاجابة ان ذلك لن يحدث‏,‏ وأن الحزب الوطني قائم فعلا علي فكر جديد‏,‏ وبدأ العمل علي طريق جديد يرفض الفكر الشمولي القديم الذي جذبنا بالشعارات ولم يحقق شيئا للناس‏,‏ والحزب الآن يقدم للناس أعمالا وليس مجرد شعارات‏..‏ وطبعا نحن في أول الطريق والطريق طويل‏.

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف