نصائح أمريكية
تزداد المعارضة في أمريكا يوما بعد يوم لطريقة تعامل الإدارة الأمريكية مع الأزمة العراقية, ويقول كثيرون: إن الرئيس بوش يجعل الحرب هدفه الأول ويترك الأزمة الاقتصادية في أمريكا التي أدت إلي نقص الصادرات وزيادة الواردات, وعجز في الميزانية بلغ435 مليار دولار, وكان الأجدر أن يكون التركيز علي تحسين أحوال الاقتصاد الأمريكي أولا.
ويزداد النقد للتضارب والتخبط في مواقف الإدارة الأمريكية, وفي صحيفة هيرالد تريبيون كتب بول كروجمان مقالا بعنوان بوش لا يبعث علي الثقة, انتقد فيه تجاهل الإدارة الأمريكية للحديث عن المشاكل والصعوبات التي ستواجه أمريكا في الحرب وبعد الحرب, فقد يكون ممكنا غزو العراق بخسائر محتملة في البداية, ولكن خسائر أمريكا بعد ذلك قد لا تكون محتملة, والإدارة الأمريكية تتحدث عن أنها ستقوم بإعادة بناء عراق جديد ديمقراطي, وهي نفس الحجة التي أعلنتها في أفغانستان ولكنها لم تفعل ذلك, وكل ما فعلته أنها قامت بتحطيم بنية نظام طالبان, ثم تركت الأمور وانصرفت إلي العراق, ولم تنفذ وعودها ببناء الديمقراطية وتنمية الاقتصاد وتوحيد البلاد وإقامة نظام حكم قوي يحظي بالقبول من الشعب الأفغاني, ولم تستطع حل الصراعات بين القبائل والفرق والأحزاب.. ويقول كروجمان: إن الإدارة الأمريكية تقدم الوعود عندما تكون محتاجة للمساعدة في العمل العسكري, وبعد أن يتوقف القتال تترك أصدقاءها وحدهم, واسألوا الرئيس الباكستاني برويز مشرف عما تم تنفيذه من الوعود التي حصل عليها قبل غزو أفغانستان. ويقول أيضا إن الإدارة الأمريكية لا تتحمل مسئولية
حل المشاكل الصعبة, والمثل علي ذلك المشكلة الاقتصادية وعجز الميزانية.
والرئيس بوش يصدق مستشاريه الذين يقولون له: إن صدام حسين تسهل هزيمته بحرب سريعة وسهلة قد لا تستغرق أكثر من يومين يتبعهما موكب النصر للقوات الأمريكية وهي تدخل بغداد, وحتي لو صارت الأمور هكذا فهل الرئيس بوش مستعد للمهمة الطويلة الصعبة, وربما الدموية, التي ستواجهه في محاولة فرض حكومة تختارها أمريكا, وهدم أسس النظام السياسي القائم الذي أصبحت له جذور متغلغلة علي مدي سنوات طويلة جدا من انفراد صدام حسين بالحكم, مع ما في ذلك من احتمالات ظهور الإرهاب بصورة مختلفة, ومقاومة للوجود العسكري الأمريكي باعتبارها قوات غزو عدوانية, بالإضافة إلي تفجر الصراعات والانقسامات الداخلية الكامنة الآن بالقمع الذي يمارسه النظام الحالي..
ويقال أيضا إن أوروبا تعتقد أن أمريكا يمكن أن تبدأ الحرب, وتنفرد بمظهر النصر, ثم تترك للحلفاء الأوروبيين المصاعب والمشاكل التي ستظهر بعد ذلك كما حدث في أفغانستان وفي يوجوسلافيا السابقة, وأوروبا تري أن أمريكا تريد انتصارا سهلا في العراق بدلا من القيام بالمهمة الصعبة التي وعدت بها, وهي تعقب الإرهابيين الذين ليست لهم دولة.
وحتي توماس فريدمان الذي يردد مواقف البيت الأبيض والمخابرات الأمريكية قال في مقاله يوم13 فبراير الحالي: إن سياسة أمريكا منذ خمسين عاما كانت التوجه للبناء, فهل تصبح الآن التوجه للدمار, وصقور بوش يحتاجون إلي إدراك أنهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم في العراق بدون الشرعية الدولية, وحمائم أوروبا يجب أن يدركوا أنهم لن يستطيعوا تحقيق هدفهم بالحل السلمي لنزع أسلحة العراق بدون التهديد باستخدام القوة, وإذا كانت الإدارة الأمريكية تريد حقا بناء عراق جديد ديمقراطي فعليها أن تدرك أن ذلك سيستغرق سنوات طويلة ولا يمكن أن تقوم به أمريكا منفردة بدون مشاركة الحلفاء ودعم الأمم المتحدة, وأمريكا تستطيع غزو العراق بمفردها ولكن الجيش الأمريكي لا يستطيع تحمل أعباء المرحلة التالية, ولا يمكن أن يبقي الجيش الأمريكي وحده في قلب العالم العربي الإسلامي, وإذا حارب بوش وحده, فسوف يبقي بعد ذلك وحده بينما هو محتاج إلي حلفاء في الحالين. وإذا استمر بوش في التهديد بالقيام بالحرب وحده وظل علي عدم اهتمامه بمواقف الصين وروسيا وفرنسا والشعوب العربية, فسوف يجد عدم الاهتمام به منهم.
وما دام الجميع متفقين علي ضرورة التأكد من عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل, فلماذا لا يواصل المفتشون عملهم؟ ولماذا لا ترتضي أمريكا الاحتكام إلي الشرعية الدولية وتستمع باحترام إلي ما يقوله حلفاؤها؟ وإذا كان التعاون الكامل مطلوبا من العراق فإن النزاهة مطلوبة من الإدارة الأمريكية بحيث لا تختلق المبررات للحرب وتفتعل أزمة عن طريق المفتشين كما أعلنت روسيا أخيرا.. وإذا كانت الحرب لا مفر منها فلتكن بقرار دولي ولا تكون مجرد نزوة أمريكية كما يقول توماس فريدمان!