حماية عقول الشباب
نني أطالب ببرنامج عاجل لتوعية الشباب في مصر, وفي العالم العربي, بأساليب الحرب النفسية والحرب السياسية التي يمكن أن يتعرض لها في هذه الظروف.
في هذه الظروف لابد أن يكون كل شاب مدركا حقيقة ما يجري في العالم وفي المنطقة, ولابد أن يكون ملما إلماما كافيا بالمخططات التي يمكن أن يكون هدفا لها, وهي مخططات بطبيعتها تستخدم الإعلام, والقنوات الفضائية في مقدمتها, وتستخدم الإذاعات التي تخلط الحقائق بالأكاذيب, وتعمل بأسلوب علمي في صياغة الأخبار والتعليقات بحيث يكون لها تأثير سيكولوجي مقصود يحقق أهداف ومصالح جهات معينة, وتشمل هذه الأساليب بالطبع الصحافة واستخدام أقلام معينة هي في حقيقتها أبواق للجهات ذات الأهداف والمصالح.. وفي النهاية فإن هدف هذه الدعايات السياسية, وهذه الحملة السيكولوجية التأثير علي المشاعر أولا, وعلي العقول ثانيا, وتكوين اتجاهات عدائية أو علي الأقل اتجاهات سلبية تجاه السلطات, وإثارة الانفعالات والمشاعر وتحريكها بحملات التحريض الماكرة المستترة, لكي تنشغل الدول العربية بمشاكلها الداخلية, والخلافات والمنازعات بن الفئات المختلفة, وبينها وبين حكامها, والتشكيك في قدرة المجتمع علي تحقيق مصالح المواطنين, ونشر التشكيك علي أوسع نطاق ليشمل كل ما يقال وما تتم إنجازه. وبذلك يتحقق فعلا النصر دون حرب, حين تهتز ثقة الناس بأ
نفسهم, وبقدرة مجتمعهم علي التقدم وقدرة حكوماتهم علي إدارة مصالحهم, وحين يتم تعبئة النفوس بالغضب والتذمر ـ كما تسعي إلي ذلك فضائيات وأقلام معروفة ـ وحين يتعمق الشعور بالقلق.. حينئذ تكون الحرب النفسية قد حققت انتصارها!
ولابد أن يدرك الشباب لماذا يحاول البعض ـ في الداخل والخارج ـ تعميق الشعور بالإحباط, والتشكيك في جدوي العمل وقيمة الإخلاص, وتكرار الحديث عن عدم جدوي الإصلاح, وجعل الحديث عن الفساد وتواطؤ الجميع حديثا يوميا يتكرر بصورة تدعو إلي الدهشة وتتجاوز حدود الحرص علي كشف السلبيات والدعوة إلي الإصلاح. وضمن هذا المخطط يمكن أن تتسلل محاولات لإثارة النزاعات الطائفية, وشغل الرأي العام بشائعات وأكاذيب وخلافات لا طائل من ورائها سوي شغل العقول عن القضايا المصيرية القائمة, والالتفات إلي الماضي, أو التوقف عند حدود الخلافات والشائعات وأحاديث الإثارة.
هذه الحرب النفسية ليست شيئا جديدا, فهناك معاهد ودراسات وكتب تشرح كيف يمكن التأثير في عقول الأفراد والجماعات والشعوب, وهناك جهات تنفذ ذلك ببراعة ودقة.. والمهم الآن أن يصل الانتباه إلي هذه الحملات السيكولوجية إلي المسئولين عن الشباب في جميع المجالات, خاصة أجهزة التعليم, والإعلام, والثقافة, وأتصور أنه من الضروري الآن تدريس مادة الحرب النفسية وتطبيقاتها في المدارس الثانوية والجامعات, لأننا نعيش في عصر يستحيل فيه منع هذه الحرب, بعد انتشار الفضائيات والإنترنت, وبعد أن أصبح معظم الشباب مفتونا بما يقدم فيهما, وربما يقع كثير منهم في وهم أن كل ما يقال حقيقي وصادق, أو أن هؤلاء الذين تنتفخ عروقهم حماسا وغيرة وطنية هم كذلك فعلا, لأن الشباب لا يعرف أن معظم هؤلاء يقبضون الثمن بسخاء, وأن ظروفا مثل الظروف الحالية تحتاج إلي درجة عالية من الوعي والاستبصار والقدرة علي التمييز بين من يسعي إلي مصلحة البلد ومن يسعي إلي مصلحة نفسه, وبين من يجند نفسه لخدمة وطنه ومن يجند نفسه لخدمة الغير.. ولابد أن يعرف الشباب أن المخابرات الأمريكية أعلنت منذ أيام عن حاجتها إلي مزيد من الجواسيس, يجيدون اللغة العربية ومن أبناء المنطقة العربية, ليعرفوا أنه ليس كل من يدعي الوطنية صادقا في ادعائه.
وأعتقد أن الأحزاب جميعا من واجبها أن تقوم بدور في حملة الوقاية لعقول الشباب.. وهي أحزاب وطنية ومخلصة ولا فرق ـ في الوطنية ـ بين حزب الأغلبية وأحزاب المعارضة.