تسويق السياسة الأمريكية
سياسة الادارة الأمريكية الحالية قائمة علي أنها قادرة علي فرض كل ما تريده مادامت أمريكا قد انفردت بالقوة, وعندما تنشأ مشاعر العداء لدي الشعوب التي تعمل أمريكا علي إخضاعها بالحرب العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية ففي إمكان الاعلام الأمريكي المتفوق والدعاية السياسية بالأساليب الحديثة تغيير المشاعر العدائية وتحويلها إلي الرضا.
هذه السياسة يشرحها مايكل هولتزمان في مقال في هيرالدتريبيون يوم7 أكتوبر الحالي بعنوان تسويق أمريكا للمسلمين. وهولتزمان هو مستشار العلاقات العامة والممثل التجاري في إدارة كلينتون. ويقول إن اللجنة الفيدرالية المكلفة بإعداد الدبلوماسية الأمريكية الجديدة في العالم العربي أعلنت أن الجهود الأمريكية للفوز بقلوب وعقول المسلمين لم تحقق نجاحا, وإن العداء لأمريكا في العالم الإسلامي وصل إلي مستويات مروعة. وقد بدأت أمريكا في إنفاق ملايين الدولارات لتحسين صورتها في العالم العربي والإسلامي, وقامت بتعيين منسق خاص لذلك في البيت الأبيض, ولم يحقق ذلك تقدما, ولابد من إعادة النظر في الدبلوماسية العامة, لأنها ليست دبلوماسية, وليست عامة, والحكومة الأمريكية هي التي تتعامل مع الشعوب العربية والإسلامية بينما هي موضع شك قوي وفقدت المصداقية لدي هذه الشعوب. ووزارة الخارجية لاتعمل علي أساس الحوار مع هذه الشعوب ولكن علي أساس التوجيه وارسال الرسائل الاعلامية من طرف واحد, والنتيجة من كل الجهود التي تبذل لاقناع هذه الشعوب بما تفعله أمريكا تبدو في صورة دعاية ساذجة وتزيد من الغضب.
وقد أنفقت الخارجية الأمريكية15 مليون دولار علي حملة اعلانية تليفزيونية مشوشة بعنوان قيم مشتركة حاولت فيها اقناع العالم بأن أمريكا فيها تسامح ديني وقدمت صورا لمسلمين يعيشون في رخاء في أمريكا, وقد رفضت دول عربية عديدة بث هذه الاعلانات, وباستطلاع الرأي في الدول التي أذاعتها حكمت الجماهير أنها سطحية ولم تمس قضايا الخلاف الأساسية.
وفي إحدي وحدات الجيش الأمريكي في العراق تم تعليق لوحات عليها وجه صدام حسين علي أجسام ممثلات الاغراء والخلاعة الأمريكيات مثل زازا جابور, ومغني الروك بيلي ايدول الذي كان يعلق الصليب علي صدره, وبنشر هذه الصور ظن مروجوها أنها ستؤدي إلي تحويل صورة صدام حسين إلي مسخة في نظر العراقيين, ولكن حدث العكس, وأثارت غضب العراقيين, وأنشأ البيت الأبيض مكتبا للاتصالات الدولية لمواجهة التصورات المعادية لأمريكا في وسائل الاعلام في دول العالم, وبدأ هذا المكتب في تنظيم لقاءات للمسئولين والمعلقين الأمريكيين مع محطات التليفزيون العربية خاصة قناة الجزيرة وقنوات أخري للرد وإحباط محاولات النقد للسياسات والأعمال الأمريكية في العالم العربي, ولم يحقق ذلك أثرا ملموسا, وفي نفس الوقت فإن السياسة الأمريكية تضغط علي الحكومات العربية لإطلاق حرية الصحافة, وعندما تستخدم هذه الصحافة حريتها في نقد السياسة الأمريكية فإن الادارة الأمريكية تضيق بهذه الحملات وتطالب بإيقافها.
وقد تم تسجيل مجموعة من اللقاءات بين أمريكيين وعرب عبر الفيديو كونفراس, وتم تطوير مواقع علي الانترنت للتأثير علي عقول مستخدمي الانترنت في العالم العربي والإسلامي وهم قلة, وانفقت الخارجية6 ملايين دولار لإصدار مجلة للشباب اسمها هايHi سعرها دولاران في منطقة هي الأقل دخلا في العالم, وبالتالي فإن مثل هذه الصحف والمجلات التي تروج للسياسات الأمريكية والفكر الأمريكي لاتجد رواجا. وفي افغانستان أسقطت القوات الأمريكية ملايين النشرات الدعائية ضد أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وفيها صور اسامة بن لادن حليق الذقن ويرتدي الملابس الغربية وعليها شعار: القاتل الجبان تخلي عنكم واكتشف الافغان أن الصورة ليست حقيقية وهي ملفقة بالكمبيوتر وأدي ذلك إلي فقدان الثقة فيما يأتي من أمريكا, وانتشر بين الأفغان أن الأمريكيين مخادعون. وقد أدي الفشل في محاولات أخري كثيرة إلي الدهشة لأن أمريكا هي التي اخترعت فنون الاعلان والدعاية الحديثة ومع ذلك أظهر آخر استطلاع للرأي تزايد الاتجاهات المعادية لها في العالم عموما وفي الدول الإسلامية بصورة أكبر.
ومن المتوقع أن تكون مارجريت توتويلر المتحدثة باسم وزارة الخارجية السابقة هي المسئولة عن تنفيذ سياسة جديدة للدبلوماسية العامة والدعاية السياسية, وستسعي إلي عقد صلات مباشرة مع الصحفيين ورجال الاعمال والمدرسين ورجال الدين والفرق الرياضية والمطربين والفنانين والأطباء والمثقفين عموما في العالم العربي والاسلامي.وتنظم لهم رحلات إلي أمريكا.
شئ واحد تغفله السياسة الأمريكية هو أن الصورة انعكاس للأصل. وتغيير السياسة المعادية للمصالح العربية سيؤدي تلقائيا إلي تغيير المشاعر المعادية وتحويلها إلي مشاعر صداقة.. هكذا ببساطة.. غيروا أنفسكم يتغير شعور العالم نحوكم.. لأنه يستحيل تغيير الشعور إلي الرضا بما لايمكن الرضا به.