سيناريو جديد فى الطريق
في يونيو الماضي نشر مارتن انديك مساعد وزير الخارجية الامريكية لشئون الشرق الاوسط السابق, ومدير مركز دراسات الشرق الاوسط بمعهد بروكينجز حاليا والقريب من دوائر القرار, مشروعا جديدا ومثيرا لحل الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني في مجلة فورن افيرز الامريكية.
ويتلخص المشروع في وضع الضفة وغزة تحت الوصاية الدولية بقرار من الامم المتحدة,وتشكيل مجلس للوصاية لادارة الاراضي الفلسطينية ترأسه امريكا, وتشكيل قوات دولية بقيادة امريكا للقضاء علي البنية التحتية للمنظمات الفلسطينية, وتحقيق الأمن لاسرائيل, وتنفيذ الخطوات التمهيدية لاقامة دولة فلسطينية ابتداء من وضع الدستور والقوانين الي تشكيل حكومة وبرلمان بالانتخاب.. ويناقش مارتن انديك الصعوبات المحتملة, ويضع سيناريو لحكم امريكا للاراضي الفلسطينية بتفاصيل الخطوات والاجراءات بما يوحي بأنها ليست مجرد بحث أو دراسة, ولكنها خطة عمل يجري الاعداد لتنفيذها, وأن نشرها جزء من التمهيد واعداد الرأي العام العالمي والعربي لها.
وفي يوم9 سبتمبر الحالي نشر وزير الخارجية الاسرائيلي السابق شلومو بن عامي الذي شارك في قمة كلينتون وباراك وعرفات في كامب ديفيد, ورأس فريق المفاوضات الاسرائيلي في مباحثات طابا بعد ذلك, نشر في صحيفة هيرالد تريبيون الامريكية مقالا بعنوان, الانتداب في فلسطين قال فيه إن خريطة الطريق ماتت مثل عملية أوسلو, لقيامها علي افتراض امكان تحقيق السلام بين طرفين يعتقد كل منهما ان له حقا تاريخيا لايمكن التنازل عنه, كما ان بناء الثقة بينهما غير ممكن فضلا عن أن خريطة الطريق لاتتضمن آلية للتنفيذ تلزم الطرفين,
وكان المفروض ان تكون هذه الآلية في يد طرف ثالث لضمان الجدية في التنفيذ, لان السلام لن يتحقق إلا بوجود طرف ثالث, أي بمساعدة دولية أقوي مما في خريطة الطريق التي يتلخص دور امريكا فيها في الاشراف من بعيد وبالريموت كونترول ودون وجود لقوة فاعلة علي الأرض, وقد ثبت عدم جدوي هذا الاسلوب, ولذلك وصلت خريطة الطريق الي الانهيار. والسبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو وضع الاراضي الفلسطينية تحت الانتداب الدولي, لكي تقود سلطة الانتداب السلطة الفلسطينية في مرحلة الانتقال الي ان تصبح دولة ديمقراطية, ويتم بناء نظام جيد للأمن, وتلزم سلطة الانتداب اسرائيل بتنفيذ ماعليها أن تنفذه.
ويقول شلومو بن عامي انه يجب التخلي عن سياسة التدرج والخطوة خطوة, لأن الطموح الفلسطيني الذي تأجج حتي تحول الي حرب استقلال لايمكن كبح جماحه باتفاقية مؤقتة تتخلي اسرائيل بمقتضاها عن قطعة أرض مقابل الأمن دون حل القضايا الجوهرية في الصراع وهي:
الحدود, والمستوطنات, والقدس, واللاجئين, وخريطة الطريق تخلو من تصور لحل الخلافات حول هذه القضايا الجوهرية, وتركت حلها لمن يستطيع فرض ارادته بالقوة, وهذا ماجعل اسرائيل تبدأ باقامة الجدار الفاصل, وتوسيع المستوطنات, وهذا ايضا ما جعل العنف الفلسطيني يستمر.
الحل العملي عند شلومو بن عامي ان تقوم السلطة الفلسطينية بتفكيك حماس والجهاد وتتحمل نتيجة لذلك الانشقاق الذي سيحدث داخل صفوف الفلسطينيين ويقول إن وهذا الانشقاق هو الثمن الذي تحملته الحركات الوطنية علي مدي التاريخ عندما تقرر الوصول الي حل عملي للصراع(!) وقد تحملت الحركة الصهيونية هذا الانشقاق في صفوفها من قبل,
ولن يكون المقابل المعقول للفلسطينيين علي هذه الخطوة مجرد ازالة بضعة مراكز قليلة ومتناثرة للاستيطان, او انسحاب القوات الاسرائيلية إلي المواقع التي كانت تحتلها قبل الانتفاضة, فان ذلك لايساعد الفلسطينيين علي قبول الصراع فيما بينهم واحتمال قيام حرب اهلية بين فصائلهم(!) كذلك فإن الفكرة المؤجلة للمرحلة الثانية من خريطة الطريق باقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقته ليس فيها مايغري الفلسطينيين, فان هذه الدولة المؤقتة المنقوصة السيادة قائمة الآن تقريبا ممثلة في السلطة الفلسطينية, فلن يقبل الفلسطينيون تكرار المحاولة للتوصل الي سلام الا في إطار اتفاق يتضمن التسوية النهائية, ولن تنجح خطة شارون باقامة الدولة المؤقتة ثم إطالة المراحل التالية الي مالانهاية, وشارون مخطيء عندما يختزل المشكلة الفلسطينيية في نزاع علي الحدود فقط.
واضح ان السيناريو القادم هو طرح فكرة وضع الاراضي الفلسطينية تحت الوصاية او الانتداب الدولي بقيادة امريكا وبقوات امريكية في الاراضي الفلسطينية بهدف تفكيك المنظمات الفلسطينية, وسلب السلطة من السلطة الفلسطينية, وادارة امريكا بنفسها شئون الفلسطينيين تكرارا لما يجري في العراق.
هل فكر العرب في موقفهم من هذا السيناريو قبل ان تفاجئهم الاحداث؟