الحزب الوطنى و التعليم

قضية التعليم سوف تكون من أهم قضايا الحوار في مؤتمر الحزب الوطني‏,‏ فالتعليم قضية كل بيت في مصر‏,‏ وهو الوسيلة الوحيدة امام الطبقات المتوسطة والفقيرة للصعود في السلم الاجتماعي والوصول الي ارقي المواقع في المجتمع‏,‏ في ظل مجانية التعليم التي جعلها الرئيس مبارك خطا احمر لايجوز المساس به ونقطة البداية لتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص‏.‏

التعليم ليس قضية مصر والمصريين فقط بل هو قضية كل بلد في العالم‏,‏ وفي اللقاء الفكري الذي عقد بالاسكندرية طرح وزير التعليم د‏.‏ حسين كامل بهاء الدين جانبا من حقائق الموقف معترفا بأن الانطباع العام لدي كثير من القطاعات يعكس عدم الرضا عن التعليم‏,‏ ومرجع ذلك الي عاملين‏:‏ العامل الاول هو الفجوة التمويلية الضخمة بين الموارد المتاحة ـ وهي فجوة كبيرة بالنسبة لامكانات الدولة ـ وبين طموحات الناس في التعليم علي المستوي العالمي‏.‏


والعامل الثاني أن ثقافة المجتمع والسلوكيات والمفاهيم السائدة ترفض التغيير‏,‏ وتقاوم المشاركة الشعبية في النهوض بالتعليم‏,‏ وتلقي الاعباء كلها علي الحكومة‏...‏ وبالنسبة لهذين العاملين فإن تحقيق الطموح لايكون بقرارات او بقوانين أو بأوامر كما لايكون بالحكومة وحدها‏,‏ ولكن بالعمل علي تكوين رأي عام يساند ويساعد ويشارك المـؤسسة التعليمية ولايكتفي بموقف المطالب دائما أو موقف الناقد المتربص‏.‏

وإن كان لميزان العدل كفتان‏,‏ واحدة للسلبيات والثانية للايجابيات فعلينا الا نتغافل عن الطفرة الكمية الهائلة التي تحققت في التعليم وهي اشبه بمعجزة‏,‏ فقد كان عدد الطلبة عام‏1950‏ في جميع مراحل التعليم‏538‏ الف طالب‏,‏ وكان تعداد السكان‏20‏ مليون نسمة‏,‏ اي أن نسبة الطلبة كانت‏2.5%‏ من تعداد السكان‏,‏ واليوم اصبح عدد الطلبة‏17‏ مليون طالب في مرحلة التعليم العام فقط‏,‏ اي بنسبة‏25%‏ من عدد السكان‏,‏ عشرة اضعاف‏,‏ ما كانت عليه منذ خمسين عاما‏.‏


وفي ميزان العدل يجب ان نذكر أن نسبة الالزام في مصر منذ خمسين عاما كانت بين‏40%‏ و‏50%‏ واليوم وصل الالزام الي‏100%‏ ونسبة التسرب اقل من‏1%,‏ وكان المجتمع يعاني من حرمان البنات من التعليم واليوم اصبحت نسبة تسرب البنات نصف في المائة‏,‏ وقد اعدت جامعة هارفارد الامريكية الشهيرة تقريرا عن حالة التعليم في مصر قالت فيه إن عدد سنوات التعليم زادت من عام‏1990‏ الي عام‏2000‏ بنسبة‏42%,‏ وفي قمة داكار اعلن أن مصر ضمن الدول الخمس التي حققت نجاحا في التعليم‏,‏ ومثل هذه الحقائق تختلف عما يشعر به الناس‏,‏ لأن هناك فجوة بين التقدم الذي يحدث‏,‏ والشعور بهذا التقدم والاعتراف به‏.‏

والدروس الخصوصية مشكلة كل اسرة‏...‏ تستنزف بين‏6‏ مليارات و‏10‏ مليارات جنيه سنويا ولو توافر هذا المبلغ للمؤسسة التعليمية لزيادة مرتبات المدرسين‏,‏ وانشاء مدارس جديدة لأمكن حل كثير من المشاكل القائمة‏,‏ ولكن ذلك لايتحقق بقرار او بقانون‏,‏ ولن يتم الا باقتناع الرأي العام ليعمل مع الدولة في اتجاه واحد وليس بعكس الاتجاه كما يحدث الآن‏..,‏ فالدولة انشأت اكثر من‏13‏ الف مدرسة جديدة‏,‏ وأعداد التلاميذ زادت زيادة كبيرة‏,‏ وترتب علي ذلك زيادة اعداد الناجحين في الثانوية العامة بنفس النسبة‏..‏ أين يذهب هؤلاء؟ يضاف الي ذلك ان المنافسة هي جوهر مجتمع الحرية الاقتصادية‏,‏ والمنافسة الضارية بين الطلبة وانشغال الأسر المصرية الزائد بالثانوية العامة يؤديان بالضرورة الي زيادة المجاميع‏,‏ التي يراها البعض مشكلة لابد من القضاء عليها بالتدخل الاداري لخفض المجاميع ويلقي هؤلاء علي وزارة التعليم مسئوليه تحديد اعداد الناجحين والحد من المجاميع المرتفعة‏.‏ ثم ان نظام الامتحانات في مصر يحتاج الي اعادة نظر‏,‏ لأنه امتحان الفرصة الواحدة ولايزيد علي ساعتين لكل مادة يتحدد فيهما مستقبل ومصير الانسان‏,‏ لابد ان يؤدي الي الضغط علي اعصاب الطلبة والآباء والمجتمع‏,‏ وإلي توتر في المجتمع ينعكس في الصحافة كلما جاء سؤال لقياس الذكاء أو لقياس مدي هضم الطالب واستيعابه للمادة وليس مجرد حفظها وترديدها كالببغاء‏.‏ وتملأ صور الطلبة والطالبات الصفحات الأولي وهم في حالة انهيار وكأن سوالا واحدا يحتاج الي ذكاء أو تمكن من المادة يمكن ان يتحول الي كارثة قومية‏!‏


القضية اذن هي قضية تمويل اولا‏,‏ وقضية رأي عام يريد المستحيل‏:‏ ان يحصل جميع التلاميذ دون استثناء علي مجاميع عالية‏,‏ وان يجدوا اماكن في الكليات التي يعتبرونها كليات قمة‏,‏ وان تأتي امتحانات سهلة لاتقيس ذكاء ولامستوي‏,‏ استيعاب ويدفع للدروس الخصوصية‏10‏ مليارات جنيه ولايريد ان يدفع شيئا لدعم التعليم‏,‏ ويحاول التهرب حتي من دفع الرسوم الهزيلة التي تسهم بقدر محدود في احتياجات المدرسة مستغلا اتجاه الحكومة الي عدم حرمان الطالب اذا لم يدفع هذه الجنيهات القليلة‏.‏

من هنا يجب ان تبدأ مناقشة مؤتمر الحزب الوطني لقضية التعليم‏..‏ حتي لانضل الطريق‏.‏ ولكيلا نلقي اللوم علي الضحية‏.‏


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف