ملفات الحرب العراقية

تحدث الصحافة الأمريكية كثيرا عن الخديعة الثانية التي استخدمتها الادارة الأمريكية لتبرير غزو العراق‏,‏ حين أعلن الرئيس الأمريكي بوش أن لديه أدلة علي وجود علاقة بين صدام والقاعدة‏,‏ وأن ممثلا من قيادة القاعدة زار العراق قبل أحداث‏11‏ سبتمبر‏,‏ وأن عددا من قيادات تنظيم القاعدة يجدون الملاذ في العراق ويختبئون هناك‏.‏


أما الخديعة الأولي فهي قصة صفقة اليورانيوم من النيجر إلي العراق التي ثبت أنها ملفقة والآن يلقي كل طرف بالمسئولية عنها علي الطرف الآخر إلي أن وصلت إلي وليم تينيت مدير المخابرات الأمريكية ومنذ ايام اعلن الرئيس بوش انه شخصيا المسئول ومازال مسلسل التحريات والتحقيقات مستمرا ولم يغلق الملف في الكونجرس والصحافة حتي الآن‏.‏


والملف الثاني المفتوح هو ما شرح محتوياته دانيال بنيامين الخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن في مقال في هيرالد تريبيون منذ أيام في‏21‏ يوليو الماضي‏,‏ وقال فيه إن الادعاءات التي جاءت في خطاب الرئيس بوش عن حالة الاتحاد في يناير الماضي تضمنت قوله إن غزو العراق لابد منه باعتباره المرحلة الثانية للحرب علي الارهاب التي بدأت عقب هجمات سبتمبر‏2001,‏ ومهما يقل عن أهمية تحرير شعب العراق من نظام صدام الدكتاتوري‏,‏ أو الادعاء بأن زوال العراق يعني تدمير الدولة رقم‏(4)‏ بين الدول الراعية للارهاب كما حددها الرئيس بوش وهي إيران‏,‏ وسوريا والسودان‏,‏ ومهما يقل من أسباب أخري لابد أن نتساءل لماذا لم تظهر حتي الآن هذه الصلة التي أكدتها الادارة الأمريكية بين العراق والقاعدة‏,‏


وأين الدليل علي أقوال الخبراء الذين حشدتهم الادارة الأمريكية للتصديق علي ادعائها بوجود صلات بين بغداد واتباع اسامة بن لادن منذ سنوات‏,‏ ويقول دانيال بنيامين وستيفن سيمون‏:‏ لقد كنا أعضاء في مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة في السنوات من‏1994‏ حتي‏1999‏ وقمنا بفحص تقارير ومعلومات الاستخبارات علي مدي عقد من الزمان‏,‏ وأصبحنا علي اقتناع تام‏,‏ نحن وبقية زملائنا في مجتمع المخابرات‏,‏ بأن العناصر الدينية الراديكالية التي يتكون منها تنظيم القاعدة لم يكونوا أبدا علي وفاق مع نظام الحكم البعثي العلماني في العراق‏,‏ ولم يكن أحد منهما يثق في الآخر‏,‏ ولم تكن بينهما مصلحة مشتركة تقارب بينهما وتجعلهما يعملان معا‏,‏ ولكن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد هو الذي أكد أن الادارة الأمريكية تمتلك دليلا أكيدا علي وجود صلة بين القاعدة والعراق‏,‏ وتولي وزير الخارجية كولين باول تأكيد هذا الادعاء رسميا أمام مجلس الأمن‏.‏


وها هي القوات الأمريكية تفتش في كل مكان وكل مبني في العراق منذ أبريل وحتي اليوم ولم تظهر هذه الرابطة المزعومة‏,‏ والمفروض أن اكتشاف هذه الرابطة أسهل من اكتشاف أسلحة الدمار الشامل وهي أيضا السبب الرئيسي للغزو‏,‏ ومع ذلك فقد فحص مسئولو المخابرات الأمريكية جميع أوراق الدولة وأسرارها بما فيها ملفات الرئاسة والمخابرات العراقية ولم يجدوا شيئا مما قالوا إنهم متأكدون من وجوده‏,‏ ولو عثروا علي أي دليل لكانوا قد سارعوا بإعلانه كدليل علي مصداقية المخابرات والادارة الأمريكية‏.‏


وفضلا عن ذلك تم القبض علي ثلاثة آلاف ممن يشتبه في عضويتهم في تنظيم القاعدة في أنحاء العالم‏,‏ وفي أيدي السلطات الأمريكية الآن عدد كبير جدا من القيادات والمسئولين في نظام صدام ويجري استجوابهم بكل الوسائل ومع ذلك لم يظهر دليل‏.‏ بل ظهر العكس‏,‏ فقد جاء في التحقيقات مع أكبر عملاء القاعدة المسجونين في أمريكا أن اسامة بن لادن كان يكره صدام حسين ويعتبره كافرا ويحذر من التعاون معه‏,‏ ومنذ أيام انتهي فريق تابع للأمم المتحدة من التحقيق في الروابط بين تنظيم القاعدة وجميع القوي والدول والمنظمات في أنحاء العالم وسجلوا في تقريرهم أنهم لم يجدوا أي دليل علي وجود صلة بين القاعدة والعراق‏,‏ وفي صحيفة واشنطن بوست ذكر أحد المسئولين السابقين في المخابرات الأمريكية أنه لم يكن هناك أي تعاون أو أنشطة مشتركة بين القاعدة والعراق‏,‏ وأعلن راند بيرز‏RandBeers‏ المدير المسئول عن محاربة الارهاب في مجلس الأمن القومي الذي استقال هذا العام أنه وفقا لعمليات المخابرات لم يجد أية علاقة بين صدام والقاعدة‏.‏


والقضية كما يقول الخبير الاستراتيجي دانيال بنيامين وزميله ستيفن سيمون لا تتعلق فقط بالمحاسبة السياسية للادارة الأمريكية‏,‏ ولكنها تتعلق بتوجيه أمريكا الأساسي في مسألة الأمن القومي‏.‏


والحقيقة أن القضية الأهم أصبحت هي مصداقية الادارة والسياسة الأمريكية الحالية‏.‏


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف