العراق و نموذج أفغانستان

لا يثق شعب العراق في التصريحات والوعود الأمريكية التي تنهال عليه كل يوم‏,‏ وتدعي أن الوجود العسكري الأمريكي ليس له سوي أهداف إنسانية لخير الشعب العراقي‏,‏ هي تخليصه من الحكم الدكتاتوري‏,‏ وإقامة نظام ديمقراطي‏,‏ وتوجيه ثروة العراق لمصلحة الشعب العراقي ورفاهيته‏.‏

لا يصدق الشعب العراقي شيئا من ذلك‏,‏ ومعه الحق‏,‏ لأنه يري علي الأرض ما يناقض هذه الوعود‏..‏ يري دبابات وقوات الاحتلال في أرضه‏,‏ تقتحم البيوت وتنتهك حرمات المساجد‏,‏ ولديها أوامر بالقتل‏..‏ والشعب العراقي لا يستهان به‏,‏ ولا يمكن التغرير به‏,‏ وفيه علماء ومثقفون ومفكرون‏,‏ وفيه رصيد من التجارب التاريخية في مقاومة الاستعمار والاحتلال‏..‏ ويضاف إلي ذلك أن أمام الشعب العراقي ما يحدث في أفغانستان‏,‏ ولابد أن يقر في وجدانه أن مصيره سيكون مثل مصير شعب أفغانستان‏.‏


فقد أغدقت الإدارة الأمريكية الوعود للشعب الأفغاني قبل غزو أفغانستان‏,‏ وأعلنت أن هدفها بناء دولة حديثة ديمقراطية تسود فيها الحريات وحقوق الإنسان‏..‏ وتنتهي فيها زراعة وتجارة المخدرات‏,‏ وتنتهي الصراعات القبلية‏,‏ وينتهي الفقر‏,‏ ويعم الرخاء البلاد‏,‏ وينتقل الشعب الأفغاني إلي حضارة القرن الحادي والعشرين بعد أن فرض عليه نظام حكم طالبان أن يعيش في ظلام العصور الوسطي‏.‏ فماذا تحقق من ذلك؟

أندرو وايلدر الباحث الأمريكي المقيم في كابول يقول ـفي دراسة نشر ملخصها منذ أيام يوم‏29‏ يونيو الماضي في هيرالد تريبيون بعنوان غياب الأمن في أفغانستانـ إن الأحوال تنذر بالسوء‏,‏ وتبدد الشعور بالتفاؤل‏,‏ بعد أن سادت الفوضي‏,‏ وأصبحت حوادث الأمن تتزايد يوما بعد يوم‏,‏ وفشلت الجهود لنزع أسلحة الفصائل الأفغانية‏,‏ كما فشلت المحاولات للقضاء علي الفساد السياسي والمالي والإداري‏,‏ ويتزايد شعور الأفغان بالغضب وخيبة الأمل في تنفيذ الوعود بتدفق المساعدات الأمريكية‏,‏ أو قدرة النظام الحاكم الذي أقامه الاحتلال الأمريكي علي ضبط الأوضاع وفرض النظام في البلاد‏,‏ والإدارة الأمريكية لا تعمل شيئا لإعادة بناء الدولة‏,‏ لكنها مشغولة فقط بإعادة إنشاء الطريق العام من كابول إلي قندهار‏,‏ وتوجه الأموال إلي هذا الطريق لتسهيل تحركات القوات الأمريكية والأجنبية‏..‏ أما إعادة بناء أفغانستان سياسيا واقتصاديا فلم يعد موضع اهتمام ولا حتي موضوعا للحديث‏!‏ والنتيجة انتشار حالة الغضب تجاه الحكومة وتجاه أمريكا‏,‏ وينظر الأفغان إلي الحكومة الحالية علي أنها حكومة غير شرعية وعميلة للاحتلال ولعبة في يد الأمريكان‏!‏


وحتي الآن لم يتحقق الوعد الأمريكي بتوفير الأمن وحكم القانون وإقامة الدولة والاقتصاد والديمقراطية‏..‏ إلخ‏..‏ ويقال إن الانتخابات سوف تجري في يونيو من العام المقبل‏,‏ ويقول الباحث الأمريكي إن نتائج هذه الانتخابات ستكون كارثة في ظل حالة فقدان الأمن والأمل وانتشار العداء والكراهية تجاه الولايات المتحدة وعملائها الذين فرضتهم في الحكم‏..‏ والجنرالات الأفغان الذين يدينون بالولاء لأمريكا ليس لهم قبول من الشعب والقوات‏..‏ والقيادات العميلة لن تحصل علي أصوات إذا أجريت انتخابات حرة‏..‏ وموقف واشنطن ـكما يقول الباحث الأمريكيـ موقف مخادع‏,‏ وأمريكا سوف تسلم قيادة قوات حفظ السلام إلي الناتو الشهر المقبل‏,‏ وبذلك تتخلي عن مسئولياتها وعن تنفيذ وعودها‏..‏ وتصبح حياة الشعب الأفغاني بعد الغزو الأمريكي أسوأ مما كانت قبله‏.‏

وفي هيرالدتريبيون ايضا يوم‏3/7/2..2‏ مقال لطبيب افغاني مقيم في أمريكا يحكي انه ذهب إلي أفغانستان ليري الجنة التي صنعها الامريكان هناك‏,‏ فكان أول من قابله شرطي قال له انه لم يحصل علي راتبه منذ ثلاثة شهور وهو يحتاج إلي توفير الطعام لاسرة من‏13‏ شخصا‏!‏


وكان اول ماوقعت عليه عيناه مجموعات من النساء والاطفال حفاة وشبه عراة يتسولون‏..!‏

وهذا هو النموذج الذي يراه الشعب العراقي لكيفية تعامل أمريكا مع الدول بعد الغزو والاحتلال‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف