أمريكا الجديدة

اشك أن أمريكا تغيرت كثيرا مع الإدارة الحالية إلي حد أن البعض يري أن الرئيس بوش يقود انقلابا علي النظم والقيم الأمريكية التي كانت مستقرة‏.‏

الكاتب المعروف وليم صافير كتب مقالا في هيرالد تريبيون في‏2001/11/16‏ بعنوان‏:‏ الجديد في امريكا ــ سلطة دكتاتورية انتقد فيه القوانين الأمريكية الجديدة ووصفها بأنها جعلت السلطة في البلاد سلطة دكتاتورية‏,‏ لأنها تعطي السلطة الحق في سجن الاجانب دون محاكمة قانونية‏,‏ وبذلك تم القضاء علي مبادئ القانون الامريكي التي كانت العدالة الأمريكية قائمة به‏,‏ وسلب المحاكم سلطتها وسمح بالتجسس علي المشتبه فيهم‏,‏ وعلي المحامين الموكلين عنهم‏,‏ وتجريد الاجنبي من حقوق الإنسان‏,‏ وأعطي السلطات حق اخفاء المعلومات والأدلة عن المحاكم بحجة الحفاظ علي الامن القومي‏,‏ وبذلك لم يعد هناك فرق بين نظم القضاء الأمريكية الحالية ونظم القضاء في الاتحاد السوفيتي السابق‏,‏ وفي مقال وليم صافير هجوم شديد علي هذه القوانين المقيدة للحريات وحقوق الإنسان‏,‏ وهجوم علي الرئيس بوش إلي حد وصفه بأنه قيصر الجديد بدليل ان الإدارة الامريكية اعلنت ان القوانين الجديدة لها سوابق في التاريخ الأمريكي‏,‏ فبعد اغتيال الرئيس لينكولن اثناء الحرب الاهلية تم تشكيل محكمة عسكرية‏,‏ وفي اثناء الحرب العالمية الثانية اصدرت محكمة عسكرية امريكية حكما بالإعدام علي عدد من المته

مين الالمان تسللوا عن طريق غواصة‏,‏ وصدر الحكم دون محاكمة ودون سماع اقوال ودفاع المتهمين‏,‏ والادارة الحالية توجه الي المنتقدين للقوانين والنظم الجديدة تهمة التعاطف مع الإرهاب‏,‏ ويرددون ان اعتبارات الأمن اهم من اعتبارات العدالة‏,‏ ولذلك اصبح تعذيب المعتقلين المشتبه فيهم امرا لا يجوز للمدافعين عن المبادئ الاخلاقية والإنسانية الاعتراض عليه‏.‏

وفي الايام الاخيرة اعلنت السلطات الأمريكية عن نظام يلزم الاجانب بالتقدم لتسجيل أنفسهم‏,‏ واخضعت معظم المتقدمين وعددهم‏13‏ ألفا لإجراءات تحقيق مشددة‏,‏ وقررت ترحيلهم‏,‏ بعد ان وعدتهم بمنحهم تصريحا بالاقامة اذا تقدموا في الموعد‏,‏ وستكون هذه أكبر موجة ترحيل في تاريخ امريكا‏,‏ ولم يلتفت احد الي تقرير اصدرته وزارة العدل الأمريكية انتقدت فيه هذا الاجراء‏,‏ وطالبت بالتمييز بين الابرياء والمذنبين‏,‏ ويسجل التقرير ازدياد حالات الاعتقال لاشخاص لا علاقة لهم بالإرهاب‏,‏ وتتهم جماعات المدافعين عن المهاجرين السلطات بانها تنفذ القانون بشكل انتقائي وتضطهد القادمين من دول عربية وإسلامية‏,‏ مع ان معظم هؤلاء المهاجرين سبق ان تقدموا بطلبات للحصول علي الاقامة‏,‏ ويقول ريتشل سوارنز في نيويورك تايمز يوم‏2003/6/9‏ ان هذه ليست المرة الاولي التي يتم فيها ترحيل المهاجرين العرب والمسلمين‏,‏ فقد سبق ترحيل‏600‏ منهم‏,‏ ثم امتنعت وزارة العدل بعدها عن الافصاح عن عدد الذين يتم ترحيلهم‏,‏ وإن كان معروفا انه تم ترحيل ثلاثة آلاف مهاجر آخرين منذ فترة قريبة‏,‏ بخلاف العدد الحالي الذي ينتظر المصير ويصل الي‏13‏ الف مهاجر‏,‏ ويقول ريتشل سوارنز ان ع

دد من تم ترحيلهم من الدول الاسيوية والافريقية زاد بنسبة‏27%‏ في العامين الماضيين‏,‏ وان الاحصائيات المعلنة تظهر ان عدد المهاجرين من باكستان‏,‏ والاردن‏,‏ ولبنان‏,‏ والمغرب الذين تم ترحيلهم تضاعف في العامين الماضيين‏,‏ اما عدد المصريين الذين تم ترحيلهم فقد تضاعف ثلاث مرات تقريبا‏..‏

ولعل ذلك يفسر لنا لماذا دعا مجلس العلاقات الاسلامية ـ الامريكية إلي المشاركة في حملة اتصالات لمطالبة اعضاء مجلس النواب الأمريكي برعاية مشروع قرار مقدم للكونجرس من الشهر الماضي يدين التعصب والعنف ضد مسلمي وعرب امريكا‏,‏ وقد قرر مجلس الشيوخ الاقتراح ومازال مجلس النواب ينتظره‏.‏


ويعبر هذا القرار عن قلق الكونجرس من التحيز والعنصرية ضد الأمريكيين من ذوي الاصول المسلمة والعربية‏,‏ ويقرر حماية حقوقهم وحرياتهم‏...‏ ولكن القرار يتعثر في مجلس النواب‏!‏ بضغوط النفوذ الاسرائيلي من ناحية واليمين الامريكي الجديد من ناحية أخري‏.!


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف