و خريطة طريق للعراق

مهما قيل عن خريطة الطريق الأمريكية وما فيها من سلبيات‏,‏ فهي علي أي حال وثيقة توضح نيات الولايات المتحدة‏,‏ وتسجل التزامها بإقامة الدولة الفلسطينية خلال فترة زمنية محددة‏,‏ وتحدد مراحل الوصول إلي هذا الهدف بحلول عام‏2005,‏ أي أنها باختصار التزام أمريكي معلن أمام العالم‏,‏ والتزام من طرفي النزاع أيضا وهذا هو جوهر المسألة‏,‏ وما بعد ذلك يمكن أن يكون موضع أخذ ورد في المفاوضات‏.‏

ولكن هل سيكون التحرك علي المسار الفلسطيني سببا للسكوت علي المسارين السوري واللبناني‏;‏ وهل سيكون مبررا لقبول الوضع الحالي في العراق‏,‏ حيث أصبحت الولايات المتحدة دولة احتلال‏,‏ والبلاد في حالة فوضي لأن الادارة الأمريكية أعدت ببراعة ودقة خطط الحرب وبعد سقوط العراق تبين أنها ليس لديها خطط لمرحلة ما بعد الحرب‏,‏ وكأن الادارة الأمريكية كانت تتصور أن العراق سيخرج من الحرب جاهزا للعمل تلقائيا وفق الإرادة الأمريكية‏,‏ ولن تتكلف أمريكا شيئا سوي اصدار التعليمات والقرارات كسلطة احتلال‏,‏ ونتيجة ذلك كما قالت صحيفة هيرالدتريبيون الأمريكية أن العراق تحول إلي رمز لفشل الادارة الأمريكية بدلا من أن يكون نموذجا للحكم الأمريكي المستنير الذي يعطي المثل لدول المنطقة علي قدرة أمريكا علي تحقيق الرخاء والديمقراطية واحترام حقوق الانسان للشعوب‏..‏ كذلك تفاقمت الازمة بين الفلسطينيين والاسرائيليين‏,‏ وثبت فشل سياسة الرئيس بوش التي اتبعها لمدة تزيد علي عامين‏,‏ وهي ترك الطرفين وحدهما في الصراع الدموي واليومي بينهما‏,‏ دون تدخل من جانب أمريكا‏,‏ إلي أن يصلا إلي مائدة المفاوضات وقد وصلا إلي مرحلة الانهاك واليأس من جدوي العنف‏..‏ فقد حدث العكس واستمرت حلقة العنف تتصاعد حتي وصلت إلي نقطة الخطر علي اسرائيل‏,‏ واضطر الرئيس بوش إلي التراجع والتعامل بنفسه مع الأزمة كما فعل رؤساء أمريكا السابقون‏,‏ والذين كان ينتقد تدخلهم المباشر الذي أفقدهم الهيبة والتأثير‏..‏


نفس الشئ حدث في أفغانستان فقد تحولت إلي حالة من الفوضي وانعدام الأمن‏-‏ تماما كما في العراق‏-‏ حتي إن عمليات النهب والسطو وصلت إلي المستشفيات وتم نهب معداتها وأجهزتها وأدويتها‏,‏ كما سجل الصحفي الأمريكي جون سيفنون في تقريره المنشور في هيرالدتريبيون يوم‏2003/5/20‏ وقال فيه إن استراتيجية الولايات المتحدة في أفغانستان بعد الحرب فشلت حتي إن منظمة حقوق الانسان الدولية سجلت في تقريرها أن حالة حقوق الانسان الآن في أفغانستان والعراق أسوأ مما كانت عليه في ظل الحكم البائد في كل منهما‏,‏ وذكر جون سيفنون أن ضباط البوليس في أفغانستان يتحولون في الليل إلي لصوص وقطاع طرق ويغتصبون النساء‏,‏ وتوقفت المعونات في الجنوب‏,‏ كما توقف العمل في نزع الألغام‏,‏ ويحكي عن صحفي أفغاني صدق ما يقوله الأمريكيون عن الديمقراطية وحرية الرأي فكتب مقالا ينتقد فيه وزير الدفاع محمد فهيم وكانت النتيجة أن تعرض للاهانة والتهديد بالقتل مع أن محمد فهيم‏,‏ أقرب حلفاء أمريكا في أفغانستان والمفروض أن ينفذ سياستها الديمقراطية‏!‏

وماذا عن العراق‏..‏؟ ما هي بالضبط نيات الولايات المتحدة فيه‏,‏ وإلي متي سوف تبقي القوات والدبابات الأمريكية تحكم العراق‏..‏؟ متي يتم تحرير العراق من الاحتلال‏,‏ بعد أن تم تحريره من حكم الطغيان‏..‏؟ ومتي تعود ثروة العراق ويعود حكم العراق إلي العراقيين‏,‏ وتعود العراق دولة حرة مستقلة ذات سيادة‏..‏ دولة موحدة‏..‏ في ظل حكومة تمثل الشعب العراقي ونابعة من إرادته الحرة‏..‏؟


إن آخر تصريح للرئيس بوش وهو يستعرض قواته في قاعدة قطر أن العراق سيبقي تحت الحكم الأمريكي إلي أن يصبح قادرا علي تولي أموره‏..‏ دون أن يفكر في وضع خريطة طريق لإعادة بناء العراق الممزق‏,‏ وإعادة الأمن بدلا من الفوضي السائدة الآن‏,‏ وإعادة مصادر الرزق إلي أبناء العراق الذين يعيشون في ظروف غريبة ليس لها مثيل‏,‏ حيث قامت سلطة الاحتلال بفصل عشرات الآلاف من وظائفهم‏,‏ ولم تفكر حتي الآن كيف يمكن أن يعيشوا هم وأسرهم‏..‏ وكأن لقمة العيش ليست من حقوق الانسان‏..‏

باختصار‏,‏ مع افتراض حسن النيات‏,‏ والجدية في تنفيذ خريطة الطريق في فلسطين‏,‏ فإن العراق أيضا يحتاج إلي خريطة طريق‏..‏ وبصراحة الشعوب العربية لا تريد ولا تحتمل الاحتلال وقد عانت منه‏,‏ ولها تاريخ طويل في مقاومة الاحتلال‏,‏ تحملت فيه الكثير من التضحيات‏..‏ ولا أحد يريد أن يعيد التاريخ نفسه‏.‏وتعود صفحة الاستعمار السوداء من جديد‏!


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف