أسئلة ما بعد الحرب
تبدو صورة الاحداث اكثر وضوحا في الصحافة الأمريكية, ويمكن فهم الكثير من الدوافع الخفية لكل هذا الاصرار الذي يبديه الرئيس بوش علي الاستمرار في الحرب رغم ما ظهر حتي الآن من اخطاء الحسابات الأمريكية.
في هيرالدتريبيون كتب مورين داود مقالا بعنوان دعوة بوش للحرب مشوشة قال فيه إن أسباب حرب بوش علي صدام حسين ليست واضحة حتي الآن, فهو يتهم صدام حسين بمسئوليته عن احداث11 سبتمبر, وفي مؤتمر صحفي كرر الربط بين صدام حسين واحداث11 سبتمبر8 مرات, ومع ذلك لم يقدم دليلا علي وجود هذه العلاقة, ولكن الرئيس بوش نجح في امر واحد هو أن يجعل الأمريكيين يشعرون بالرعب من العالم, وجعل العالم يشعر بالرعب من أمريكا, والمسئولون في البيت الأبيض يعتقدون أن إثارة الرعب في العالم من أمريكا هي افضل طريقة لجعل أمريكا أكثر أمنا, ويضغط الرئيس بوش علي اعصاب الأمريكيين بإشعارهم بالخوف من تكرار11 سبتمبر, وهذا ما يجعل كثيرا من الامريكيين يؤيدون حربه علي العراق وهي لم تهاجم أمريكا كما فعل تنظيم القاعدة, ولم تعترض الطائرات الأمريكية كما فعلت كوريا الشمالية, ولم تمول القاعدة كما فعلت دول اخري, ولم تحتضن تنظيم القاعدة مثل باكستان, وليست ملاذا للارهابيين مثل دول أخري.. فكيف يبرر اذن ادعاءه أن ضرب العراق لحماية الشعب الأمريكي؟! والرئيس بوش مستعد لدفع أي ثمن لهذه الحرب حتي ولو خسر حليفه المخلص توني بلير مستقبله السياسي, وزيادة عجز الميزانية الأمريكية ولا أحد يعرف بالضبط لماذا هذه الحرب, هل هي رغبة الرئيس بوش للانتقام لوالده الذي حارب العراق ولم يستطع ان يستكمل الحرب للاطاحة بصدام حسين, أو هي حرب مقررة من قبل وصوله إلي الرئاسة, وتنفيذا للخطة التي اعدها قادة التيار اليميني المتشدد عام1997 وسموها بيان بالمبادئ وقع عليه جيب بوش, وعدد من كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية الآن, وقدموا هذه الخطة إلي البيت الأبيض في ذلك الوقت, وطالبوا فيها الادارة الأمريكية باتباع سياسة ريجانية, تعيد أسلوب الرئيس الأسبق رونالد ريجان, وتقوم علي استخدام القوة العسكرية الأمريكية ومواجهة النظم التي لا تخدم المصالح الأمريكية, وان يكون العراق حقل تجارب تثبت فيه أمريكا أنها قادرة علي فرض ارادتها علي العالم, وبهذه السياسة التقي اليمين الأمريكي مع الرئيس بوش الذي كان يريد أن يكون ريجان, ثم جاءت11 سبتمبر فرصة لتكون مأساة تضمن قبول الجميع لسياستهم بدعوي الوطنية دون أن يجرؤ أحد علي المعارضة.
وحتي توماس فريدمان المعروف بترديده لمواقف البيت الأبيض والمخابرات الأمريكية, وظل يؤيد الحرب علي العراق في عشرات المقالات, عاد أخيرا ليقول إن السياسة الأمريكية الحالية احادية الجانب, وتفرط في استخدام القوة, وتسببت في فتح ثلاث جبهات في وقت واحد بالحرب علي العراق.. جبهة علي العراق, والثانية بين أمريكا وحلفائها الغربيين, خاصة فرنسا والمانيا, والثالثة بين أمريكا والعالم العربي, وموقف الرفض يجد تأييدا في أوروبا, وفي العالم كله, وأوروبا تشعر بالقلق من اصرار أمريكا علي الحرب بمفردها دون حلفائها التقليديين, ودون شرعية دولية, وتكون هذه الحرب سابقة يمكن أن تتكرر لما تسميه أمريكا الحرب الوقائية أي الحرب بدون وجود سبب قائم ولكن قد يكون هناك سبب محتمل في المستقبل, والغريب انهم يقولون إن هذه الحرب سوف تعجل بالتغيير الديمقراطي في العالم العربي.
وكيف سيكون العراق بعد انتصار أمريكا؟! هل ستنجح في اعادة بنائه أو سيتحول إلي فوضي؟! وهل ستضيق الفجوة بين أمريكا وأوروبا بعد ذلك أو سوف تتسع.. وهل سيعود العرب أصدقاء لأمريكا؟
هذه هي اسئلة ما بعد الحرب.