رجل عاقل فى أمريكا
تتزايد في الصحافة الأمريكية الكتابات المحرضة علي ضرب العراق, ومن الواضح أن الادارة الأمريكية تحشد الحملة لتعبئة الرأي العام الأمريكي, وتغيير اتجاهات الأغلبية الرافضة للحرب, وهذه الحملة ضمن اسلحة الحرب النفسية المستعرة علي العراق للتأثير علي معنويات القيادة والشعب والجيش واعداد الجميع للهزيمة من قبل أن تبدأ الحرب, وتبدو ساحة الإعلام الأمريكي وكأنها قد اصيبت بحالة هستيريا الحرب.
وسط هذه الدعايات السياسية يأتي صوت الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ليمثل العقل والحكمة, ويبرهن علي ان الضمير الأمريكي مازال حيا ومؤثرا, وأنه الرجل الذي يستحق في أمريكا جائزة نوبل للسلام, فقد كتب مقالا في واشنطن بوست يوم6 سبتمبر الماضي بعنوان وجه أمريكا الجديد المزعج انتقد فيه توجه الادارة الأمريكية لضرب العراق, وقال إن هذا التوجه من صنع مجموعة من المحافظين تسعي تحت شعار الحرب علي الإرهاب إلي تحقيق اطماعها الكامنة منذ فترة طويلة, وإن أمريكا بهذه السياسة سوف تخسر احترام العالم لها كدولة الحرية والمبادئ, وتخسر مصداقيتها كنصير لحقوق الإنسان والسند الاكبر للشرعية والقانون الدولي.
وعندما لم تجد صيحته آذانا صاغية لدي الادارة الأمريكية عاد كارتر ليحذر من خطورة هذا الاندفاع نحو الحرب, وهو اندفاع اقرب إلي الهوس, يفتقد المنطق والمصداقية, وفي مقال جديد في هيرالد تريبيون يوم10 مارس الحالي بعنوان لا يوجد مبرر للهجوم قال فيه إن تغييرات عميقة تجري في السياسة الخارجية الأمريكية تتعارض مع المبادئ الأمريكية الثابتة التي يؤيدها الحزبان الديمقراطي والجمهوري, وهذه المبادئ هي التي اكسبت الولايات المتحدة احترام العالم علي مدي قرنين وهي مبادئ قائمة علي اساس الدين واحترام للقانون الدولي, وللتحالفات والتعهدات الأمريكية, وهذه المبادئ كانت تقود السياسة الأمريكية إلي اتخاذ قرارات ومواقف حكيمة, ولكن الاصرار علي شن حرب علي العراق, وتجاهل الارادة الدولية انتهاك للمبادئ الأمريكية, وانني باعتباري مسيحيا, ورئيسا سابقا واجه الاستفزاز والازمات الدولية, أصبحت علي معرفة كاملة بالحرب العادلة والحرب غير العادلة, فإنني اقول إن الهجوم علي العراق يتعارض مع معايير العدالة, وهذا ما يعتقده أيضا كل زعماء الطوائف الدينية في العالم, فلكي تكون الحرب عادلة يجب ان تكون بعد استنفاد كل الخيارات السلمية, وفي حالة العراق فإنه من المؤكد أنه توجد بدائل للحرب, وسبق أن اقترحها القادة الأمريكيون من قبل وواقفت عليها الأمم المتحدة.
والرئيس كارتر في هذا المقال يؤكد أن معظم الشعوب بما فيها الشعب الأمريكي, ومعظم الدول ايضا تعارض هذه الحرب, بينما تبدو الولايات المتحدة امام العالم في صورة دولة عدوانية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدول المتحضرة.
فالمرحلة الأولي من خطة الحرب الأمريكية التي تم الاعلان عنها تبدأ بإلقاء ثلاثة آلاف قنبلة وصاروخ علي السكان العراقيين الذين لا يملكون وسائل للدفاع عن انفسهم بهدف احداث تدمير واسع المدي ونشر الارتباك في البلاد, فيؤدي ذلك إلي تخلي الشعب العراقي عن قائده الذي تريد الادارة الأمريكية ازاحته, والارجح أنها لن تستطيع ذلك لانها لن تعرف مكانه وسوف يختفي في اماكن مجهولة.
ويحدد الرئيس كارتر المبادئ الأمريكية الاخري التي اهدرتها الادارة الحالية بانها أولا: التفرقة بين المقاتلين, وغير المقاتلين, بينما القصف المقرر مهما يكن دقيقا فسوف يؤدي إلي دمار شامل, وقد اشار الجنرال تومي فرانكس قائد القوات الأمريكية إلي أن العديد من المستشفيات والمنازل والمدارس والمساجد سوف يصيبها التدمير, وثانيا: يجب ان يكون العنف متناسبا مع الضرر الذي اصاب الولايات المتحدة, بينما الجهود الأمريكية للربط بين العراق وهجمات سبتمبر غير مقنعة علي الاطلاق, وثالثا: أن يكون للهجوم شرعية مستمدة من المجتمع الدولي الذي تدعي أمريكا أنها تمثله, والشرعية الدولية رافضة للحرب ومؤيدة لازالة اسلحة العراق عن طريق المفتشين, ورابعا: أن الحرب بهدف تغيير نظام الحكم وبناء عراق جديد, وتكريس الوجود الأمريكي في المنطقة, واحتلال العراق ستؤدي إلي تفكك وانقسام العراق.
ولابد أن تفكر الادارة الأمريكية في العواقب الوخيمة للحرب وأولاها: زعزعة الاستقرار في المنطقة ثانيها: انتشار الإرهاب الذي سيعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر, وثالثتها: سوف تكسب أمريكا مزيدا من الخصوم والمعارضين في العالم, وتفقد وضعها كنصير للسلام والعدالة.
ورابعتها: سوف تصاب الأمم المتحدة بضربة قاصمة, وخامستها: سوف تفقد أمريكا التعاطف الدولي القوي الذي اكتسبته بعد11 سبتمبر... وهذا هو بعض حصاد السياسة الاحادية الجانب والمستبدة بشكل لم يسبق له مثيل كما يقول كارتر.
المشكلة: هل سيجد الرجل العاقل من يستمع إلي كلماته الحكيمة؟!