نظرات الدكتور فتحى سرور

برغم مشاغل الدكتور فتحي سرور في الدورة الحالية لمجلس الشعب المملوءة بالمفاجآت والتشريعات والمناورات البرلمانية‏,‏ فقد حرص علي أن يواصل عطاءه كاستاذ ومفكر سياسي وقانوني‏,‏ وأهدانا كتابا جديدا بعنوان نظرات في عالم متغير طرح فيه أفكاره ورؤاه حول ثلاثة محاور هي‏:‏ القانون‏,‏ والسياسة‏,‏ والاقتصاد‏,‏ وفيه من القضايا ما يثير الفكر‏,‏ ويغري بالحوار‏,‏ حول مستقبل النظام العالمي الجديد‏,‏ ومستقبل الديمقراطية‏,‏ ومستقبل الدول النامية وفقراء العالم في ظل قانون القوة وتحكم الأقوياء في هذا النظام العالمي الجديد‏.‏

والفكرة التي تتردد كثيرا في الكتاب تدور حول المخاطر التي تهدد الديمقراطية‏,‏ لأن المراكز الحقيقية للقرار أصبحت تتركز في يد الأقطاب الاجتماعية والاقتصادية‏,‏ خاصة مع النفوذ المتزايد للشركات الكبري‏,‏ وانصراف الافراد عن الاهتمام بالحياة السياسية‏,‏ ثم إن العولمة تطالب بجعل العالم كله سوقا واحدة تحكمه معايير الربح السريع‏,‏ والمصلحة الاقتصادية الفردية‏,‏ دون اعتبار للمصلحة العامة او مصلحة الشعوب او العدالة الاجتماعية‏,‏ وهذا يعني ان العولمة تعني تحقيق تطلعات رجال الأعمال دون أن تستجيب لتطلعات الشعوب‏,‏ ولايغير من ذلك النصوص الواردة في اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تبدو لصالح الدول النامية‏,‏ وهي مجرد احكام انتقالية او مباديء هامشية لن تصمد امام اجتياح القوي الاقتصادية وتحويل الدول النامية الي أسواق استهلاكية لما تنتجه الدول الكبري‏,‏ فضلا عما تحمله العولمة من مخاطر علي الثقافات الوطنية بفعل الضغوط علي الرأي العام في مختلف الدول لايجاد نموذج موحد للثقافة‏,‏ هي بالطبع ثقافة الدول الأقوي‏,‏ ويضاف الي كل ذلك أن القارات الاقتصادية وفقا لقانون السوق يتحكم فيها القطاع الخاص الذي لايهدف إلا الي الربح‏,‏ وقد يعمق ع

دم المساواة الاجتماعية‏,‏ ويؤدي الي خضوع السياسة لمصالح الفئات المتميزة والقوي الاقتصادية المتحكمة‏,‏ ولن يكون للفئات الأخري سوي البطالة‏,‏ وعدم الأمان‏,‏ ولذلك يري الدكتور سرور أن الدولة أصبحت مطالبة بمضاعفة دورها للتحكم في المسيرة الاجتماعية لقانون السوق والحد من آثاره السلبية‏.‏

وتحليل الدكتور سرور للأوضاع الدولية والداخلية ينتهي الي أن القانون الوطني يجب أن يضمن احترام حقوق الانسان والحريات للأفراد في مواجهة سلطات الدولة‏,‏ وكذلك يجب أن يضمن القانون الدولي احترام سيادة الدول في مواجهة بعضها البعض‏,‏ واحترام حقوق الشعوب‏,‏ فلا قيام للديمقراطية بغير احترام حقوق الانسان‏,‏ وبدونها تكون سيادة القانون شعارا بغير مضمون‏.‏ ويشتشهد الدكتور سرور بقول المهاتما غاندي إن فكرتي عن الديمقراطية أن ينال الاضعف ذات الفرصة التي ينالها الأقوي ويضيف أنه في داخل الوطن لامعني للسياسة ما لم تكن لخدمة الجماهير‏,‏ وأن يلبي الخطاب السياسي احتياجاتها ويرسم لها طريق التنمية وبذلك تتلاقي السياسة مع الديمقراطية والتنمية‏.‏ فالسياسة ليست حوارا بغير مضمون‏,‏ وانما هي عمل لحماية حرية الأفراد وضمان حقوقهم‏.‏ وان كان القانون الدولي بحالته الراهنة أضعف الأمل في تحقيق عدالة او ديمقراطية في العلاقات الدولية‏.‏


وقد أدت العولمة الي انقسام العالم الي فريقين‏:‏ فريق ينفرد بالقوة ومغانمها دون اعتبار للعدالة الاجتماعية‏,‏ وفريق لايملك القوي فليس أمامه إلا أن يطيع ويلتزم ومحكوم عليه بمواجهة تحديات عاتية‏,‏ واذن فنحن امام نوعين من العولمة‏:‏ عولمة الأغنياء‏,‏ وعولمة الفقراء ومن هنا ظهرت فكرة صراع الحضارات‏.‏ وهذا الانقسام الاقتصادي الذي افرزته العولمة لابد أن يواكبه انقسام سياسي علي المستوي الدولي‏,‏ وانقصام في سياسات القوي الكبري‏,‏ فالدولة التي تدعو الي احترام حقوق الانسان‏,‏ وتسمح لنفسها بالتدخل بالقوة المسلحة في شئون الدول الأخري بحجة حماية حقوق الانسان‏,‏ هي نفسها تنتهك حقوق الانسان وتهدر القانون الدولي الانساني‏,‏ حتي أصبحت الشرعية الدولية أداة للقهر وليست اداة لاقرار الحق‏,‏ كما أصبحت هذه الشرعية الدولية هي الأخري خاضعة لازدواج المعايير‏,‏ ولم تنقذ‏70%‏ من البشر يعيشون في الفقر والبطالة‏.‏ وخرجت الأمم المتحدة من حرب الخليج الثانية مهيضة الجناح‏.‏

كتاب الدكتور سرور من الكتب المؤسسة للفكر السياسي والقانوني‏,‏ ونظراته في هذا العالم كثيرة وعميقة وتستحق الدراسة ـ وليس مجرد القراءة ـ وليته يترجم الي اللغات الأجنبية ليسهم مع اجتهادات مفكري العالم في ترشيد الفكر السياسي في هذا العالم المتغير‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف