أصوات العقل و أصوات القمة
في الساحة السياسية الأمريكية الآن جدل واسع حول سؤال عملي, يتجاوز الاعتبارات الأخلاقية والقانونية, والشرعية الدولية هو: هل ضرب العراق يفيد المصالح الأمريكية أو يسبب لها الاضرار؟ وهناك جبهتان, جبهة تعبر عن القوة التي وصلت اليها امريكا وهي فرصتها التاريخية للهيمنة علي العالم, وجبهة تري أن هذه الضربة ستكون خطأ آخر يضاف إلي الأخطاء السابقة لسياسات القوة الأمريكية وليست فيتنام اولها ولا آخرها.
يقود الجبهة الأولي آلان هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق وقد كتب مقالا منذ أيام قال فيه إن حلف الأطلنطي يواجه الآن أسوأ الأزمات في تاريخه بسبب ضرب العراق, وفي رأيه أن هذه الازمة إذا انتهت دون تغيير النظام في بغداد, وإذا أعادت امريكا قواتها التي تزيد علي مائتي الف دون حرب, فإن مصداقية القوة الأمريكية في الشئون الدولية عموما سوف تتدهور. وهناك كثيرون يؤيدون هذا الرأي ويقولون مادامت امريكا قد أظهرت عضلاتها فعليها أن تستعملها لكي يسلم لها العالم بالقيادة منفردة وتكون لها الكلمة والقرار في كل شئون العالم دون أن يقف امامها أحد.
أما الجبهة الثانية فهي تزداد يوما بعد يوم مؤكدة أن هذه الحرب سوف تكون لها آثار وتداعيات وردود افعال ضد المصالح الامريكية علي المدي البعيد, وسوف تعمق الكراهية التي تشكو منها أمريكا وتحاول التخفيف منها بينما هي في الحقيقة تزيد حدتها.
ومن هؤلاء نيكولا كريستوف الذي كتب مقالا في هيرالد تريبيون قال فيه إن الامريكيين لن يكونوا أكثر أمنا بعد غزو امريكا للعراق, وسوف يزداد الخطر, وربما تتكرر مأساة فيتنام مرة أخري ولكن بصورة مختلفة, فإن امريكا سوف تشعل غضب العالم الإسلامي, وتثير أعمال الشغب المعادية لها, وسوف تساعد تنظيم القاعدة علي جذب المزيد من الإرهابيين, وسوف يتأثر الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط, ويمتد منها الي حيث لا يستطيع أحد التنبؤ بحدوده, وبعد أن نجح بوش في وضع الرئيس العراقي في مأزق جعله يرضخ لمطالب المفتشين ولقرارات مجلس الأمن, فان ذلك يعني أن امريكا حققت هدفها وقلمت اظافر صدام حسين واجهضت قوة العراق العسكرية, ولم يعد هناك خطر علي اسرائيل أو غيرها من العراق, وإذا توقف بوش عند هذا الحد, فانه يكون قد هزم صدام بأقل تكلفة, ويكون قد نجح في توفير الارواح ومليارات الدولارات, وفي تفادي الخسائر المادية والسياسية من الحرب.
ويقول نيكولا كريستوف إن فرق التفتيش منذ عام1991 وحتي عام1998 قامت بتدمير أسلحة عراقية أكثر من الأسلحة التي كانت القوات الأمريكية تمتلكها في حرب الخليج, ولاشك أن صدام الآن قد تغير كثيرا, وسوف يتغير أكثر إذا اكتفت امريكا بما فعلته حتي الآن من ضغوط سياسية وعسكرية واقتصادية, وسوف يقترب من امريكا( ربما أكثر من أي حاكم آخر تفرضه امريكا علي العراق).
والسؤال الأساسي: هل غزو العراق سيجعل الأمريكيين أكثر أمانا؟ لا أحد لديه اجابة قاطعة, الا أنه يوجد خطر واضح من الحرب ونتائجها.
أما صحيفة هيرالد تريبيون نفسها فقد نشرت افتتاحيتها يوم3 فبراير الحالي تحذر من الإندفاع نحو الحرب, وتشير إلي بيان وزير الخارجية أمام مجلس الأمن عن الأدلة التي لدي امريكا عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وعلاقتها بتنظيم القاعدة, وتقول إن الشعور السائد بعد هذا البيان أن خطط الادارة الأمريكية للحرب قائمة علي الارتجال وغير مقنعة, ومادامت هذه الإدارة تتحدث عن حرب وقائية, وليس عن حرب للانتقام من هجوم عراقي, فلماذا لاتفكر جيدا وبتعقل أكثر, وتقود الشعب الأمريكي والعالم قيادة أكثر حكمة وثباتا.؟!