دولة شارون
بعد فوز شارون في الانتخابات واستمراره في قيادة اسرائيل وتنفيذ مخططاته التي بدأها منذ عامين, يحتاج الفلسطينيون إلي ما يشبه المعجزة ليصدقوا أنه سوف يغير سياسته في حكومته الجديدة.. كما يحتاج الاسرائيليون انفسهم الي تحديد ما يريدون, هل يريدون الاستمرار في مناخ التوتر والقتل المتبادل, ام يريدون مد اليد بسلام حقيقي يحقق لهم ولغيرهم الأمن؟
ولا لوم علي الشعوب العربية اذا قابلت بالشك والحذر ما اعلنه شارون من أنه سوف يقبل حل الازمة باقامة دولة فلسطينية, خاصة بعد أن طرح تصوره لهذه الدولة بانها ستكون بدون حدود, ومنزوعة السلاح, وبدون مقومات الدولة الفعلية فهي أقرب الي أن تكون معتقلا كبيرا يتم عزل الفلسطينيين فيه ليكونوا في مرمي النيران الاسرائيلية, وتحت الطلب للاعتقال, وحتي اذا قيل إن بادرة قبول الدولة الفلسطينية تعتبر في ذاتها بادرة مبشرة ويمكن البناء عليها وتطوير مشروعها إلي كيان اقرب الي الدولة ثم تصبح دولة بعد ذلك, وشيء افضل من لاشيء ومالايدرك كله لايترك كله.. اذا قيل ذلك من بعض من يريدون التوصل إلي أي شيء يوهم بحل المشكلة دون ان يكون هو الحل الحقيقي لها, فانهم لايفعلون سوي اعادة النار تحت الرماد لتشتعل من جديد في أي وقت, فهم فقط يريدون تأجيل أو ترحيل المشكلة لا أكثر.. وقد أثبتت التجارب مع اسرائيل ان تأجيل استعادة أي حق عربي فيها يعني ضياع هذا الحق, وانتقالا الي خطوة اخري يضيع فيها حق جديد هكذا.
ومع شارون إما أن يكون الحل كاملا وشاملا وإما استمرار الوضع علي ماهو عليه إلي أن يدرك استحالة الاستمرار وضرورة تحقيق سلام حقيقي ودائم وليس التلويح بسلام وهمي مؤقت.. ولسنا نحن وحدنا في الشك في نوايا الليكود وحكومته ورئيسه, بل إن في اسرائيل ذاتها من يعبر عن هذا الشك باكثر وأدق مما يعبر عنه العرب. ومثال علي ذلك مقال نشرته صحيفة يديعوت احرونوت المعروفة كتبه يجال سارنا بعنوان دولة شارون عبر فيه عن حقيقة ما الحقه شارون من خسائر بالاسرائيليين ونجح في التغطية عليه باثارة مخاوفهم حول الأمن وإقناعهم بانه هو الذي يحقق الحماية للاسرائيليين بقتل الفلسطينيين وهدم بيوتهم وحرمانهم من لقمة العيش والعلاج وحصارهم خلف الاسوار والحواجز..الخ
يقول المقال: إن دولة شارون اقيمت عام2001 علي انقاض اسرائيل, والمطار يحمل اسم بن جوريون الذي ارسل ضابط المظلات ارييل شارون للقيام بمهمة انتقامية, والآن يخضع القادم الي اسرائيل للتحقق فاذا كان من نشطاء السلام فانه يطرد فورا, واذا كان اجنبيا جاء بحثا عن عمل فسوف يتم اعتقاله, واذا كان قادما للعمل في مزرعة رئيس الوزراء فسوف يدخل فورا(!). أما العملة الاسرائيلية في دولة شارون فقد انخفضت كثيرا, والاقتصاد الاسرائيلي الذي كان مزدهرا قبل تولي شارون السلطة يمر الآن بحالة تراجع, وعندما تفتحون الراديو ستجدون الأصوات المألوفة للاذاعة الاسرائيلية قد اختفت ولم يعد يتحدث سوي المقربين من رئيس الوزراء الذين يرددون مايقول ويروجون لافكاره وافكار الجماعات المتطرفة عن الترانسفير, والانتقام, ووصف عمليات اغتيال الفلسطينيين بحماس علي أنها انتصارات عسكرية, والاغتيال يتم بصواريخ تطلقها المروحيات او الوحدات الخاصة ولايتم تنفيذها الا بعد التصديق رسميا من الدولة علي كل عملية, ويشارك رئيس الحكومة في التصديق علي عمليات الاغتيال هو ومجلس الوزراء المصغر الذي كان يضم الحائز علي جائزة نوبل شيمون بيريز(!)
ويصيف المقال الأوضاع الحالية فيقول إن الحواجز علي مداخل المدن, والحراس يقفون عند مدخل كل فندق, وكل مقهي, وكل مطعم, وفي ظل حكومة شارون يلاحظ الزائر ازدياد أعداد المتسولين بشكل هائل, واعداد كبيرة من الاسرائيليين من أبناء الطبقة المتوسطة يشكون البطالة, ومع أن ابناء هذه الطبقة المتوسطة هم العمود الفقري لكل دولة, وكانوا كذلك قبل شارون, ولكنهم الآن يواجهون مصاعب اقتصادية تصل إلي حد الانهيار..
ويقول المقال: عندما تسافرون في دولة شارون احذروا عنف السائقين بسبب انتشار روح العنف والوحشية العسكرية في المجتمع, وسوف تسمعون عن البلدوزر المصفح وهو سيارة يمكنها ازالة مباني شارع بأكملة خلال ساعة, وهي نتاج اختراع محلي استبدل انتاج الرقائق الالكترونية المتطورة, واحذروا التحدث مع أحد, فقد ساد التشكك في نفوس الاسرائيليين, واختفت روح الدعابة وانتشر العبوس واسلوب الحديث المتدني في مستواه, واياكم أن تبدو كلمة نقد لعمليات قتل المدنيين في الجانب الآخر( بين الفلسطينيين) وأظهروا موافقتكم علي مايقال عن وحشية العدو, ولاتذكروا عبارات محظورة مثل الحل السياسي, واخلاقيات الحرب, والسلام, والمفاوضات, وستجدون الترحيب اذا كان حديثكم عن تحالف الشر بين القاعدة وعرفات, وأصغوا بأدب الي مهاترات كتاب البلاط الملكي الذين اصبحت لهم وحدهم كل المنابر.. وعندما تغادرون دولة شارون اياكم ان تعبروا عن شعوركم الحقيقي بالارتياح لانكم سوف تتخلصون من هذا الكابوس, في المطار..
وانتظروا إلي أن تعودوا الي بلادكم ثم تحدثوا همسا عن الانقلاب الذي احدثه شارون في اسرائيل.. واياكم ان تكتبوا رأيكم والا ستوضع اسماؤكم في القوائم السوداء!
هذا الكلام لم يكتبه فلسطيني أو عربي ولكن كتبه اسرائيلي.. وفي صحيفة اسرائيلية معروفة.. فماذا يقول الضحايا الحقيقيون في دولة شارون؟!