من ينصف الحكومة
من غرائب الأمور أن البعض يعتبر كل من يهاجم الحكومة بالحق وبالباطل كاتبا جريئا وموضوعيا, ومن يقول للحكومة مرة إنها احسنت اذا احسنت فعلا يعتبرونه كاتب الحكومة وكأن الانصاف أصبح عيبا, وليس للنقد معني عند هؤلاء الا تلمس الاخطاء والسلبيات واغفال الانجازات والايجابيات, أو التقليل من جدواها.
وهذه الروح اذا سادت يكون ميزان العدل قد اختل, ومعايير الحكم علي الأعمال قد اصبحت بلا معني, والحكومة في النهاية مجموعة من البشر, فإذا كانوا يبذلون اقصي جهدهم, ثم لا يجدون إلا الاستهانة بما اجهدوا انفسهم فيه, فلابد أن يصيبهم شعور بالاحباط, مهما تكن لديهم من صلابة وقدرة فائقة علي تحمل السهام الطائشة,والاتهامات الباطلة, ولذلك يقال دائما أن النقد نوعان: نقد بناء يذكر بالإنصاف الايجابيات والسلبيات, ويوجه المخطئ إلي الصواب, ويقدم افكارا ومقترحات ولا يكتفي بمجرد رفض كل فكر وكل مشروع وكل سياسة.. وهناك نقد هدام لا يعرف سوي صبغ كل شئ بالسواد, والسخرية من كل سياسة وكل مشروع, ولا يري شيئا يستحق كلمة تقدير في كل ما تعمله الحكومة.
أقول ذلك من باب النقد الذاتي, لأن الصحافة لم تنصف الحكومة الحالية, ولم تتناول اعمالها بالموضوعية الكافية, بالرغم من أنها تعمل في ظروف دولية صعبة, واجواء سياسية تخيم علي العالم, وعلي المنطقة وتلقي بظلالها علي الاستثمار والسياحة والنشاط الاقتصادي كله, ويكفي أن نري التباطؤ الاقتصادي في أمريكا واليابان وبريطانيا والصين, وكل دول أوروبا وآسيا... وتراجع البورصات بدرجات تدعو للقلق... وتخفيض العملات والفائدة وافلاس شركات كبري في دول كثيرة, ولسنا في جزيرة منعزلة عن العالم ولا تتأثر بما يجري فيه من أحداث.
وقد شعرت بأني مدين باعتذار للحكومة عندما تلقيت من الدكتور عاطف عبيد تقريرا عما تم تنفيذه من برنامج الحكومة خلال العام الماضي, وقد أرسل هذا التقرير إلي جميع الكتاب والصحفيين ربما لانه أراد أن يكون هذا التقرير نوعا من ابراء الذمة, أو تذكيرا بما يفرضه الانصاف علينا ولكي نضع في اعتبارنا أن الحكومة إن كانت لها سلبيات فإن لها ايجابيات كثيرة, منها مثلا أنه تم ايجاد550 الف فرصة عمل جديدة للشباب, ومنها تنفيذ برنامج تشغيل الخريجين في المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحرفية والتجارية باتفاق مع الاتحاد التعاوني والانتاجي واتحاد الغرف التجارية, ومنها أن معدل النمو كان في العام الماضي3,2 وكانت التوقعات الا يزيد علي2% وزيادة الصادرات294 مليون دولار بخلاف البترول, وانخفاض العجز في الميزان التجاري800 مليون دولار, وانخفاض الفجوة بين الصادرات والواردات بــ1400 مليون دولار, واستمرارالاستثمارات العامة في الخدمات والمرافق بمقدار25 مليار دولار, وسداد32 مليارا من مديونيات الحكومة المتراكمة من سنوات مسابقة وحتي30 يونيو2001, وزيادة في مشتريات الحكومة والهيئات من المنتجات العربية.( التي كانت تستورد مثي
لاتها من قبل) بقيمة6200 مليون جنيه, كل ذلك مع زيادة في بعض بنود الدعم والانفاق علي الخدمات والرعاية الاجتماعية حتي بلغت58 مليار جنيه للخدمات التعليمية, والصحية والتأمينات ودعم السلع التموينية.. الخ و1400 مليون جنيه لتنفيذ مشروعات الخدمات وتطوير المرافق في القري والمدن, و500 مليون جنيه لتمويل برنامج تدريب الخريجين... إلخ.وهذه المليارات والملايين لم يكن تدبيرها سهلا مع المشاكل الكثيرة التي ورثتها هذه الحكومة.
تقرير الحكومة عن انجازاتها في عام واحد يملأ أكثر من مائة صفحة كلها مليئة بالأرقام ولا يزيد الحديث عن كل مشروع علي سطر أو سطرين... والشيء المحير هو: لماذا لا يشعر الناس بالتحسن في حياتهم... ولماذا لا يشعرون بالرضا عن الحكومة..؟ بل ولماذا لا يصدقون أن كل هذه الانجازات قد تحققت بالفعل.
ربما لأن المشكلات التي ورثتها الحكومة كثيرة جدا وتحتاج إلي سنوات لعلاجها خاصة مع تزايد الضغوط والأحداث الخارجية, وربما لأن الحكومة لم تجد من الحزب الذي تمثله الدعم الكافي بالشرح والاقتناع لاعضائه, وهم الأغلبية, أو ربما لأن اسهل شئ علي من يريد أن يشتهر بالبطولة والشجاعة أن يهاجم الحكومة ويقلل من أهمية ما حققته, واغلب الظن أن الحكومة نفسها مسئولة عن هذا الشعور لأنها قصرت في شرح إنجازاتها للناس, ولم تستطع أن تصل إلي إقناعهم.. وها نحن في النهاية نلقي اللوم علي الحكومة!