من الذى يتغير أولا
بعد فوز شارون بزعامة الليكود, وقد أصبح فوزه برئاسة الوزارة مرة أخري بعد انتخابات يناير المقبل أمرا مفروغا منه, هل سيبقي الموقف من قضية السلام مجمدا ــ كما كان طوال العامين الماضيين ــ أم سيتغير شارون, عما كان عليه, أو تغير الادارة الأمريكية موقفها, أو يغير العرب أحوالهم؟ من الذي سيتغير أولا؟
قد يكون هناك احتمال ــ بعد تمكنه من تشكيل حكومة متماسكة لاتضطر إلي مسايرة التيارات المتطرفة ــ بأن يتحول من رجل حرب إلي مفاوض من أجل التسوية, كما فعل بيجين عندما أدرك أن الأمن لن يتحقق لاسرائيل إلا بالسلام.. قد يستطيع شارون بعد أن أتم تنفيذ خطة افراغ السلطة الفلسطينية من مقومات بناء دولة سواء بتدمير البنية التحتية أومؤسسات الادارة والأمن, أواغتيال الكوادر, ربما يكون مستعدا لقبول دولة فلسطينية وهو واثق بأنها لن تتمكن من تعويض ما خسرته إلا بعد سنوات قد تطول كثيرا, وإن كان كثيرون يرون أن شارون غير قابل للتغيير بحكم تكوينه العسكري ومزاجه القتالي وشخصيته الميالة للتصادم, وكثيرون أيضا يقولون إنه يحمل في أعماقه عداء وكراهية للفلسطينيين والعرب تملأ المحيط الأطلنطي, وحتي لو وقع اتفاقات فلن تكون لهذه التوقيعات مصداقية بعد أن قاد الانقلاب علي اوسلو وكل ما تلاها من اتفاقات ورفض كل مقترحات للحل وآخرها خطة ميتشل وتفاهمات تينت وخطة الطريق وكلها جاءت من الادارة الامريكية وساعدته الادارة الامريكية علي الضرب بها عرض الحائط ووصل به الصلف الي حد أن أعلن إلغاء الاتفاقات التي وقعتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة,
وأعلن أن الاتفاقات ليست مقدسة, ولايزال علي إصراره بأن أي تنازل عن الأرض الفلسطينية التي تحتلها اسرائيل خطر علي أمن اسرائيل, وهو لم يفز بزعامة الليكود إلا لمعارضته لحزب العمل في دعوته إلي قبول الدولة الفلسطينية علي اساس أنها الوسيلة الوحيدة لضمان أمن ومستقبل اسرائيل. وهو ينتهز فرصة الأزمة العراقية لاستكمال مخطط التخريب والقتل والتشريد للفلسطينيين, ويساعده علي ذلك تكرار التصريحات الأمريكية المؤيدة لارهاب الدولة الاسرائيلية بالقول إنه دفاع عن النفس ضد هجمات الارهاب أي ضد مقاومة الفلسطينيين للاحتلال!.
ومادام شارون لن يتغير علي الأرجح, ومع استمرار مزاج العنف والتطرف في الشارع الاسرائيلي, فهل يمكن أن تتغير سياسة الادارة الأمريكية, وتتخلي عن موقفها الحالي الذي يتجاهل المذابح وجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني, وتضغط لتوجيه اهتمامات العرب, والعالم, نحو الأزمة العراقية, مع استمرار التلويح بخطة الطريق وتصريحات عن دولة فلسطينية وارسال مبعوثين ليس في وسعهم شيء غير الاستماع إلي الأطراف العربية, والظهور علي شاشات التليفزيون لمجرد الايهام بأن الادارة الأمريكية مهتمة بايجاد حل.. وما الذي يدفع الادارة الأمريكية إلي تغيير سياستها, وقد نجحت في إعطاء شارون فرصة كبري باعادة احتلال مناطق السلطة لتدمير كل شيء وتحويل الأرض الفلسطينية إلي أرض خراب محتلة, وتحويل الشعب الفلسطيني إلي شعب من الأرامل واليتامي والجياع..؟
موقف الادارة الأمريكية مازال كما هو حتي الآن, وكما قال جاكسون ديهل في هيرالد تريبيون منذ أيام فإنه يكفي ملاحظة أن شارون هو الزائر الوحيد الذي يستطيع لقاء الرئيس بوش في أي وقت يريد, حتي إن عدد لقاءاته مع بوش تفوق لقاءات بوش مع بلير وبوتين مجتمعين, ففي خلال17 شهرا, استقبل بوش شارون7 مرات, وشارون هو رئيس الوزراء الاسرائيلي الوحيد الذي يتمتع بالحق في التحدث مباشرة مع الرئيس الأمريكي ويطلب ما يشاء, ويقنعه بما يريد, وقد نجح في عرقلة الخطوات التي كانت الادارة الأمريكية تعتزم القيام بها للوصول إلي مائدة المفاوضات, كما نجح في تأجيل تنفيذ خطة الطريق الأمريكية وتحويلها إلي مجرد مادة للتصريحات الصحفية, وهو الذي ضغط علي الادارة الأمريكية ونجح في جعلها تلبي طلباته للمعونات والأسلحة المتطورة علي أمل أن يقبل خطة الطريق, بما فيها من انسحاب من الأراضي التي احتلتها في العامين الماضيين, وتجميد بناء المستعمرات الجديدة, ومع ذلك فإن شارون أخذ ويأخذ من الادارة الأمريكية كل ما يريد, وبقي علي إصراره في رفض الانسحاب, ورفض تجميد المستعمرات, مع قبوله للتحدث فقط عن استعداده لبحث فكرة الدولتين إرضاء لأمريكا دون أن يتخذ خطوة عملية لذلك.
هكذا يبدو أنه لا مخرج من هذه الدوامة اللعينة بانتظار أن يتغير شارون, أو حتي أن تغير الادارة الأمريكية موقفها السلبي. لأن التغيير لن يحدث إلا حين يغير العرب موقفهم, ويقفون صفا واحدا, ويتكلمون بصوت واحد, أما إذا بقي العرب علي ما هم عليه, فسوف يبقي الحال علي ماهو عليه.
وندعو الله أن يغير العرب ما بأنفسهم ويساعدوا أنفسهم لكي يساعدهم الله ويساعدهم الآخرون.