المرأة و مسئولية الاعلام

منذ أيام سمعت مفكرا كبيرا له مكانته الاجتماعية يقول‏:‏ لقد عشت أسوأ أيام حياتي بعد أن تزوجت ابنتي وهي أغلي من عيني برجل كان يؤذيها بلسانه ويده‏,‏ وأشعر بالمهانة ولا استطيع أن افعل شيئا لأن القانون يعطيه الحق كأن يجعل عقد الزواج عقد تملك للزوجة‏!‏

ثم قال‏:‏ إلي أن صدر قانون الخلع فكان طوق النجاة لي ولابنتي‏,‏ فتحرر كلانا‏,‏ واستعدنا كرامتنا بالخلع‏,‏ ولذلك فإنني أشعر بأني مدين بكرامتي وحرية ابنتي للسيدة سوزان مبارك التي دعت إلي إصدار هذا القانون الانساني المتحضر الذي قضي علي حالات العشرة بالإكراه‏.‏


وفي الأسبوع الماضي دعت السيدة سوزان مبارك إلي لقاء بين عدد من المفكرين والصحفيين والكتاب حضره وزير الإعلام والأمين العام للحزب الوطني السيد صفوت الشريف‏,‏ والدكتورة فرخندة حسن الأمين العام للمجلس القومي للمرأة والدكتور جابر عصفور مقرر لجنة الثقافة والاعلام بالمجلس‏.‏ وكان موضوع الحوار صورة المرأة في الإعلام وكان من بين ما قاله صفوت الشريف أن المجتمع لا يمكن أن يتقدم وهو يسير بساق واحدة‏,‏ وحقوق المرأة مقررة بالدستور والقانون ويجب توعية المرأة بحقوقها وواجباتها‏,‏ ويجب تغيير السلوكيات‏,‏ والتصدي للتيار الذي يطالب بالعودة إلي عصر الحريم‏.‏

وكانت دعوة الدكتورة فرخندة حسن للاعلام أن يسهم بفاعلية أكبر في تغيير المفاهيم السائدة حول المرأة‏,‏ لأن تحديث المجتمع لا يتم إلا بمشاركة كل افراده رجالا ونساء‏.‏ ثم دار حوار حول مسئولية الاعلام‏,‏ رأي يقول إن الاعلام يعكس الواقع للمرأة بما فيه من سلبيات كثيرة لأن الاعلام يجب أن يكون صادقا ولا يزيف الواقع‏,‏ والبداية الصحيحة ليست بتغيير الإعلام ولا بتغيير المجتمع‏,‏ والرأي الآخر يقول إن الإعلام له دور آخر هو أن يقود‏,‏ ويؤثر‏,‏ ويوجه‏,‏ ويغير الأفكار والاتجاهات والسلوكيات‏,‏ ولا أحد ينكر تأثير الاعلام في تكوين الرأي العام الناضج‏.‏


وفي دراسة عن الرسالة الاعلامية لتنمية المرأة للدكتورة راجية قنديل الاستاذ بكلية الإعلام قالت إن مسئوليات الإعلام تضاعفت والالتزام الاخلاقي للعاملين في الاعلام يدعوهم للمشاركة بشكل أكبر نحو تحقيق التنمية‏,‏ بالتثقيف الجماهيري‏,‏ ووضع أجندة متحضرة لترتيب اولويات القضايا‏,‏ والصحافة لها دور مؤثر علي القائمين بالتشريع وصناع السياسات‏,‏ وعلي النخبة وقادة الرأي‏,‏ ولذلك تستطيع أن تقوم بدور مهم في الدعوة إلي القضاء علي التمييز ضد المرأة‏,‏ وليس الهدف إثارة معارك وصراعات مع الرجال‏,‏ لأن قضية انصاف المرأة لا تخص المرأة وحدها‏,‏ ولكنها تخص الرجل والمرأة والأسرة والمجتمع‏.‏

وإنصاف المرأة ليس علي حساب مكانة الرجل‏,‏ والمكاسب التي تحققها المرأة ليست خسائر تلحق بالرجل‏,‏ ولكن المسألة هي تحقيق العدالة والانصاف والتوازن في المجتمع‏,‏ وان رفع الظلم عن المرأة‏,‏ وحمايتها من الاستغلال‏,‏ وتصحيح اوضاعها الاجتماعية‏,‏ ومساندة حقها في المشاركة والاختيار‏,‏ كل ذلك لمصلحة المجتمع كله وليس لصالح المرأة فقط‏.‏


ويلفت هذا البحث إلي مسألة مهمة وهي أن هناك تناقضا ـ حتي في اوساط المتعلمين والمثقفين بين الشعارات عن المساواة بين المرأة والرجل‏,‏ والاقتناع بهذه الشعارات‏,‏ والسلوك الذي يتناقض معهاـ وهذه المشكلة تحتاج إلي جهد لتحقيق التوحد بين القول والعمل‏,‏ وبين الظاهر والباطن في اتجاهات الرجل نحو المرأة‏.‏ والدخول في حوار هادئ وصريح حول المعالجة الاعلامية وهل تكرس الافكار التقليدية القديمة عن المرأة أو تعمل علي تغيير صورة المرأة‏,‏ والاصعب من ذلك أن هناك قطاعا من النساء ليست لديه رؤية واضحة لحقوقهن‏.‏

واعتقادي أن الاعلام له الدور الأكبر في تغيير صورة المرأة‏,‏ خصوصا مع تزايد المسلسلات التي تروج لتعدد الزوجات‏,‏ ولمواقف يضرب فيها الزوج زوجته علي وجهها بصورة مهينة ويوجه اليها شتائم وإهانات تعمق لدي المشاهد الشعور بأن الطبيعي أن تكون المرأة دائما في موقف الخانع الذليل‏.‏ ولكن ـ مع ذلك ـ لا يستطيع الاعلام وحده أن يقوم بالرسالة المطلوبة‏,‏ لأن الهدف هو تغيير المجتمع‏,‏ وتغيير الأفكار السائدة منذ مئات السنين عن وضع الرجل والمرأة‏,‏ والتفسيرات غير الصحيحة لما جاء في الكتاب والسنة‏,‏ وهي تفسيرات ليس مصدرها الشريعة ولكن مصدرها التخلف الاجتماعي والثقافي وعدم القدرة علي تفهم حقيقة الشرع الذي يخفض الظلم ويأمر بأن يكون الناس سواسية كأسنان المشط‏,‏ ويأمر فيه الرسول صلي الله عليه وسلم بأن النساء شقائق الرجال‏,‏ لهن مثل الذي عليهن بالمعروف‏.‏


والمسألة تحتاج إلي تغيير في المدرسة‏,‏ وفي الخطاب الديني بتأثيره الكبير‏,‏ وفي الاعمال الفنية والدرامية‏,‏ وحتي في الأغاني‏..‏

باختصار نحتاج إلي جهود كل من يتصل عمله بالفكر والعقل والدين‏,‏ وربما تستطيع أجهزة الثقافة أن تسهم في هذا الجهد‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف