استراتيجية أمريكية جديدة
يبدو أن الفكر العسكري الأمريكي بدأ في مراجعة وإعادة حساباته فيما تسميه الإدارة الأمريكية الحرب الوقائية ضد الإرهاب في كل الدول التي تضم عناصر الإرهاب.
ففي مقال في واشنطن بوست بعنوان أعدوا القوات الأمريكية لعمليات عالمية كفرق للقناصة نشر يوم23 سبتمبر الماضي, طرح ملامح التفكير الجديد ويتلخص في أن الحرب الأمريكية بالجيوش إذا كانت قادرة علي الانتصار في أفغانستان والعراق فلن تقدر علي الانتصار علي الحرب الأهم, وهي القضاء علي تنظيم القاعدة وشبكات الإرهاب المنتشرة في العالم, لأن الإرهابيين اكتشفوا نقاط الضعف في القوة الأمريكية ويمكنهم النفاذ منها, وتعلم الإرهابيون أن الصواريخ الأمريكية لا يمكن مقاومتها, ولذلك لن يقيموا معسكرات يمكن تدميرها, كما أدركت القاعدة أن نجاحها يتوقف علي المكان الذي تنفذ فيه عملياتها وليس علي عدد القتلي, ولو كان هدفهم قتل أكبر عدد لكانوا خططوا لإغراق إحدي حاملات الطائرات في المحيط الهندي مثلا بطاقمها المكون من خمسة آلاف فرد, ولكنهم يدركون أن هذا النجاح لا يحقق الأثر النفسي الذي حققه مقتل عدد أقل ولكن في نيويورك وواشنطن, وهدف القاعدة هو نشر الرعب وليس مجرد القتل, ولذلك ستكون عملياتهم داخل أمريكا كلما وجدوا الفرصة لذلك.
ويقول روبرت أندروز إن تنظيم القاعدة منتشر في60 دولة وسوف ينتشر في أماكن ودول أخري, وتنقسم الخلايا القائمة الآن إلي خلايا أصغر وأكثر قدرة علي التخفي والعمل, والمتوقع أن يزداد التنظيم تماسكا, وسيؤثر الإرهابيون علي جماهير المؤمنة ليجدوا منها الحماية, وبعد أن فقد الارهابيون الملاذ في أفغانستان أصبحوا في الشتات, ونحن نعلم حجم الدمار الذي يحدثه تسعة أفراد فقط, فكيف يمكن لأمريكا مطاردة هذه الخلايا واحدة واحدة في كل هذه الدول وهي غير مستعدة لمثل هذا العمل.. وإن كانت لديها قوة دلتا مدربة لإنقاذ الرهائن بالهجوم الخاطف علي أهداف محددة مثل سفارة أو سفينة أو طائرة, ولكن وزير الدفاع رونالد رامسفيلد أدرك أن قوات العمليات الخاصة لن تشتبك في معارك تقليدية سريعة ومخططة, ولكنها ستقوم بعمليات اصطياد كفرق قناصة عالمية, وجوهر المشكلة أمام هذه الاستراتيجية الجديدة هي ما يعرفها خبراء الاستراتيجية باسم المسافة بين عملية الاستشعار وعملية الضرب وقد يكون الاستشعار بقمر صناعي أو بشخص معه تلسكوب, ويكون جهاز الضرب بقاذفة نفاثة أو قناص ببندقية, وعندما يكون الهدف ثابتا( مركز القيادة أو مبني أو قاعدة صواريخ) فإن زمن رد الفعل ليس مهما ويمكن تدميره في أي وقت, ولكن عندما يكون الهدف متحركا, وذكيا, ويجيد التخفي فإن زمن رد الفعل يكون في غاية الأهمية ولابد من الضرب فورا قبل أن يختفي الهدف, وكانت شكوي قائد حرب الخليج الجنرال نورمان شوارزكوف أن أقمار الاستخبارات كانت تحدد الأهداف بكفاءة, لكن انتقال المعلومات إلي القيادة لإيصال الأمر إلي الدبابات أو القاذفات كان يستغرق وقتا يكفي لاختفاء الهدف.
ولذلك ـ كما يقول روبرت أندزوز ـ فإن النجاح الذي تحققه المخابرات الأمريكية في اكتشاف فرد أو خلية إرهابية يجب أن يرافقه علي الفور جهاز الإطلاق للقضاء علي الهدف قبل أن يتمكن من الاختفاء, وهذا يعني أن تكون لأمريكا قوات عمليات خاصة قريبة من المشتبه فيهم, وتعمل سرا ومتخفية, وتنتشر في فرق صغيرة حول العالم, ويجدون المساندة السرية في كل مكان, وتكون لهم الصلاحية للتنفيذ علي الفور, وبمجرد الوصول إلي شخص إرهابي أو خلية إرهابية عليهم اقتناصها دون انتظار تعليمات.. وقد يمثل ذلك صعوبات دبلوماسية وعسكرية في بعض الدول, وعلي سبيل المثال لن تستطيع هذه الفرق ممارسة عمليات القنص بنفسها في بلد مثل ألمانيا, ولكن يمكنهم العمل مع فرق مكافحة الإرهاب الألمانية وهكذا, أما في الدول التي يمكن فيها تجاوز سلطة الحكومات فإن هذه الفرق يمكنها العمل دون علم أو مساعدة السلطات المحلية(!)
هكذا يبدو أن الحرب الوقائية ضد الإرهاب التي تشنها أمريكا سوف تتسع لتشمل دول العالم, وستشهد تغيرا في الاستراتيجية بتكوين خلايا عسكرية أمريكية سرية لاصطياد الخلايا الإرهابية وستكون للخلايا الأمريكية صلاحيات القتل دون تردد أو انتظار أوامر.
وأهمية هذا المقال أن كاتبه من قادة المخابرات السابقين, وكان حتي شهر يوليو الماضي يعمل إلي جانب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مساعدا لوزير الدفاع ومستشارا سياسيا له في العمليات الخاصة والعمليات المحدودة.
وقد تكون هذه الاستراتيجية بعيدة عن التصديق, ولكن من يقول إن ما تعلنه الإدارة الأمريكية الحالية رسميا مما يمكن تصديقه؟